اليوم، يمكن وصف حياة تشارلي شريم بأنها مُتَّزِنة. فهو رجل متزوجٌ ينوي أن ينجب أطفالاً عما قريب. ويمضي شريم وقته في إعادة تنظيم مخططاته للحد من نسبة الخطر والتخطيط للمستقبل. وقد تكون هذه الحياة الهادئة والمسالمة مفاجأةً لمن تابعوا في السابق مغامرات ساحر العملات المشفرة. فحياة شريم المتباينة المتسمة بالتفاوت الشديد بين السعادة والشقاء لهي حياة أكثر تقلباً من سعر البتكوين.

الطفولة

وُلد تشارلي شريم في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1989، ونشأ في مجتمع يهودي سفاردي سوري في بروكلين بمدينة نيويورك. والده صائغ وأمه ربة منزل، وتعوَّد شريم منذ صغر سنه على التعامل مع المال وقيمة الدولار. يستعيد شريم طفولته قائلاً: “لم يكن والداي مسرفين في شيء. لم يقولا قط: هاك حفنةٌ من النقود، افعل ما يحلو لك. كان عليَّ أن أكون مسؤولاً في الإنفاق، وإذا أنفقت مصروفي ما كانا ليعطياني المزيد”. وهذا التقشف، بالإضافة إلى التكاليف سريعة التزايد لهوايته في الحواسب، أرغماه على إيجاد حلٍّ.

ظهرت على شريم موهبة ريادة الأعمال منذ سنٍّ يافعةٍ. صنع شريم لنفسه اسماً في صيانة الأجهزة في منطقته، مستغلاً مهاراته التكنولوجية سريعة التطور، وبدأ يتقاضى أجراً عن خدماته. “كان لدى الناس مشاكل في حواسيبهم المنزلية … لا يعرفون كيف يصلحونها. وأدركت أن بإمكاني توفير خدمة جيدة، فقط بأن أتيح لهم استدعائي عند الحاجة، وكنت أتقاضى … 20 دولاراً في الساعة”. ونجح شريم في عمله الجديد لدرجةً أنه ابتاع سيارةً خاصةً في الصف الثالث الثانوي، دون أي مساعدة مالية من والديه.

لكن النجاح المالي الذي حققه شريم في البداية كان عابراً. فبعد عامٍ واحدٍ، عند بلوغه سن الثامنة عشرة، استلم بطاقةً ائتمانيةً بحد إنفاق 6 آلاف دولار. ومن حماسته تجاه أرصدته المتاحة الجديدة، بدَّدَها شريم خلال سنة على عدد من المشتريات وصفها بأنها “أشياء غبية جداً. أشياء غبية”. وتراكمت على شريم قبل تخرجه ديونٌ باهظةٌ تُقدَّر بعشةر آلاف دولار. ومع أن والدَه قد أعانه على هيكلة ديونه، احتاج شريم عامين ليقف مجدداً على قدميه مالياً. وكانت هذه أول مرحلة من تقلباته المالية العديدة التي ميزت حياته المضطربة.

سنوات الجامعة

إبان دراسته في جامعة بروكلين، بدأ شريم السعي إلى الاستقلال الماليِّ. ونوَّع شريم من مهاراته وبحث عن طرقٍ جديدةٍ لتوليد الأرباح، بهدف تسديد ديونه الضخمة. ومن أولى مساعيه إنشاء الموقع الإلكتروني dailycheckout.com، الذي باع عليه معداتٍ إلكترونيةً مُستعمَلةً ومُجدَّدةً، وكان يجني 600 دولار في الأسبوع.

واستمرت ريادة شريم للأعمال في أثناء سنوات دراسته في جامعة بروكلين. وفي عامه الأخير في 2011، بدأ الاستثمار في البتكوين في مهدها، قبل أن يفقد أصوله الرقمية بعد عطلٍ أصاب جهاز التخزين. ومن جراء ذلك الحدث، اشترك شريم مع رفيقه المهتم بالبتكوين غاريث نلسون في تدشين BitInstant، موقع تجاري إلكتروني مُصمَّمٌ لـ”مساعدة الناس في تحويل الدولارات إلى عملات بتكوين”. وكان نجاح BitInstant فورياً؛ ففي وقتٍ ما، كان BitInstant مسؤولاً عما يقرب من 30% من إجمالي معاملات البتكوين. وكسب شريم ثروةً كبيرةً عن طريق شركته الجديدة، زاعماً أنه في سنِّ الثانية والعشرين كان يملك نصف مليون دولار في حسابه الجاري. فكان BitInstant تحولاً لا يُستهان به في حياة شريم.

وبجانب مساعيه في ريادة الأعمال، كان شريم من الأعضاء المؤسسين لمؤسسة البتكوين Bitcoin Foundation، مع آخرين من مشاهير المؤيدين للعملات المشفرة مثل روجر فير. وهي مؤسسة غير ربحية تهدف إلى “توحيد عملات البتكوين المشفرة، وحمايتها والترويج لها لجلب المنفعة للمستخدمين في العالم كله”. وكان شريم بالأخص مسؤولاً عن الشراكات والاندماجات بين مؤسسة البتكوين الأرجنتينية، وسفارة البتكوين في كندا، واتحاد البتكوين الأسترالي، وكل هذا بغرض التبشير بالبتكوين. واقتداءً بمؤسسة لينكس Linux Foundation، تمضي مؤسسة البتكوين في مهمتها اعتماداً على مِنَح من الشركات الربحية التي تستخدم تقنية البتكوين.

الانهيار

سرعان ما راح شريم وBitInstant يلفتان انتباهاً من غير المرغوب فيهم. فقد أُخطِر شريم من محاميه بأن أحد مستخدمي BitInstant يشتري عملات البتكوين ويستبدلها على سوق Silk Road السوداء الإلكترونية غير الشرعية. وبناءً على نصيحة محاميه، أغلق شريم وزملاؤه BitInstant يوم 3 يوليو/ تموز من عام 2013. ولأن أحداً لم يخسر أي نقود، افترض شريم أن هذه نهاية قضيته، ومضى قدماً في مشاريع أعمال أخرى.

لكن حياة شريم تداعت بعد ثمانية أشهر. بعد العودة إلى الولايات المتحدة من مؤتمر في أمستردام، هبط شريم في مطار جون إف كينيدي، ووجد نفسه في مواجهة عملاء من مكافحة المخدرات ومصلحة الضرائب عند وصوله. فقد اعتبرت السلطات شريم مسؤولاً بصورةٍ مباشرةٍ عن مخطط روبرت فاييلا. وعرف شريم تهمه بالكامل في الصباح التالي: التآمر على غسل الأموال، والتقصير في تقديم تقرير عن نشاطٍ مثيرٍ للشكوك، وإدارة مكتبٍ لتحويل الأموال دون ترخيص.

وفي مواجهة كل هذه التهم كان أحد أوائل مليونيرات العملات المشفرة يواجه احتمالاتٍ بالسجن 25 عاماً. وفي النهاية، قضى عاماً واحداً في السجن، وأُفرِج عنه في يونيو/حزيران 2016.

الخروج من السجن

غادر تشارلي شريم السجن رجلاً مختلفاً. وعند الإفراج عنه، عمل شريم على الرجوع إلى نسيج المجتمع. ولم يعد شريم على الفور إلى أسلوب حياته السابق، ما عانى بسببه كثيراً. يتذكر شريم قائلاً: “.. .لم أستعمل حاسوباً مدة شهرين … لم أشترِ هاتفاً محمولاً ولم أستعمل هاتف الآيفون خاصتي … كنت في حالٍ غريبةٍ … لم أكن مستعداً”. بدلاً من ذلك، عمل شريم في وظيفةٍ في ريف بنسلفانيا، متوارياً عن الأنظار، حيث غسل الصحون مقابل 8 دولارات في الساعة. وقال شريم إنه كان في حاجة إلى الإحساس بالمسؤولية، وتحدث عن مدى تقديره لذلك الوقت.

الختام

يقيم شريم حالياً في ساراسوتا بولاية فلوريدا، وحياته الهادئة بعيدةٌ كل البعد عن الفوضى التي شهدتها حياته في بروكلين. وصار شريم في 2018 يقظاً ومتزناً، بفضل منظوره الجديد للحياة. وقال الشخص الذي امتلك ذات مرةٍ نصف مليون دولار في حسابه الجاري، في معرض الحديث عن ثروته: “…أصبحت ذكياً. سوف أتزوج، وسننجب أطفالاً يوماً ما، فلا يمكنني التنبؤ بذلك نظراً لدفع الإيجار”.

اليوم، ينشغل تشارلي شريم بعددٍ من المشاريع الجديدة. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2017، أسس شريم CryptoIQ في ساراسوتا بولاية فلوريدا. وهي محطةٌ شاملةٌ لمصادر التمويل في قطاع العملات المشفرة، ويهدف شريم بها إلى “… تعزيز الناس بواسطة توفير مدخلٍ إلى عالم العملات المشفرة”. ويواصل شريم المناداة بدعمٍ على نطاقٍ أوسع للبتكوين.

تشارلي شريم حكيمٌ وناضجٌ نضجاً يفوق سنه، ويعترف بأن هذا نتاج عدة عوامل متباينة. وبصفته جزءاً من الجيل الأول لداعمي البتكوين، مهدت عبقرية شريم وبصيرته الطريق للمستخدمين المستقبليين. سيواصل حضور شريم المستمر في مجتمع العملات المشفرة إضفاء المصداقية على المجتمع وزيادة نموه، رغم أخطائه السابقة.

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.