“يا للتشفير، إنَّها عملة للغاية. وااو”. هكذا دار الحديث المفكك المفعم بالحماسة عن “دوج”، الكلب اللطيف من فصيلة “شيبا إينو” الذي تحول إلى مادةٍ للسخرية على الإنترنت وتبناه بعدها مستخدمو العملات المشفرة الباحثين عن زاويةٍ أقل جدية للتقنية.

 

من 2013 حتى 2014، صنعت الدوج كوين مساحةً لها في عالم العملات المشفرة، ويرجع جزءٌ من هذا إلى أنَّ مجتمعها كان يستخدمها كعملة في وقتٍ كانت تُعتبر فيه المنافستان البتكوين واللايتكوين أصولاً تتسم بالجدية. في قمتها، كانت مئات أو آلاف من الدوج كوين تتحرك سريعاً على Twitter وReddit، وتُتَداول بين المستخدمين الذين أطلقوا على أنفسهم جميعاً لقب “Shibes”.

 

ثم نشأت عن تلك الموجة جهودٌ أكثر جدية، إذ جمع المجتمع المحيط بالعملة تبرعاتٍ لتمويل فرق التزلج وحفر آبار المياه في الدول النامية، من بين مبادراتٍ خيرية أخرى.

 

لكنَّ مع اقتراب بروتوكول العملة المشفرة من شهره الثامن عشر دون أي تحديث، هل الدوج كوين المرحة تحتضر أخيراً؟ وماذا يعني أساساً احتضار عملة مُبرمَجة مُوزَّعة؟

 

وفقاً لجاكسون بالمر، مؤسس العملة المشفرة (الذي رحل عن المجتمع بعد زيادة الانتقادات ضده في 2015)، شهدت الدوج كوين تراجعاً كبيراً من ناحية التطوير، وهو موقفٌ لا يُبشر بالخير لاستمرار العملة.

 

وصرَّح بالمر، الذي ما زال بعيداً عن مجتمع العملة لكنَّه يطمئن على العملة الساخرة بين الحين والآخر، في حوارٍ مع موقع CoinDesk:

 

“لا تُضاف خصائص جديدة إلى الدوج كوين لأنَّه لم يعد هناك أحد يعمل على تطوير العملة. في النهاية ستصبح عتيقة. وحينها، ستكون الشبكة قد اقتربت من نهايتها”.

 

الموقف الحالي

 

نظرةٌ واحدة إلى صفحة الدوج كوين على GitHub تثبت صحة وجهة نظره بدرجةٍ ما.

 

فوفقاً للبيانات المتاحة، لم تجرِ أي تغييراتٍ على الكود من 20 أكتوبر/تشرين الأول 2015، ومنذ موجة النشاط في منتصف العام، توقفت المساهمات فعلياً.

 

وربما الدليل الأوضح هو أنَّ حجم التداول تراجع بحدةٍ أيضاً منذ وصول العملة المشفرة إلى قمة شعبيتها، وفقاً لموقع  CoinMarketCap.

 

والسبب في ذلك حسبما يقول بالمر أنَّ الناس يمضون قدماً.

 

إذ قال: “انتقل كثيرٌ ممن كانت الدوج كوين هي تجربتهم الأولى إلى أمورٍ أفضل وأكبر”، وأضاف أنَّ معظم هؤلاء الناس اتجهوا إلى منصاتٍ أخرى مثل إيثريوم.

 

وعلى الجانب الآخر، تبدو العملة في وضعٍ جيد مقارنةً بعملاتٍ أخرى، نظراً إلى التجدد المستمر في قوة التعدين والزيادة المتواصلة لمعدل الهاش الخاص بالعملة، وفقاً لبيانات مشروع BitInfoCharts.

 

إلا أنَّ ماكس كيلر، كبير المطورين الأساسيين للدوج كوين، يعترف أنَّ ذلك المقياس لا يدل على شيءٍ بما أنَّ العملة البديلة تُعدَّن بالشراكة مع اللايتكوين، أي أنَّ قوة الهاش لدى اللايتكوين تؤَمِّن شبكة الدوج كوين كذلك.

 

ويعتقد كيلر أنَّ معظم المُعدِّنين الجدد يأتون من اللايتكوين (بما أنَّ تعدين الدوج كوين لم يعد مربحاً)، ليس فقط بسبب انخفاض سعر الدوج كوين، لكن أيضاً لأنَّ مكافأة التعدين لإضافة بلوك دوج كوين جديد قد انخفضت إلى 10 آلاف عملة، أي دولارين أميركيين فقط.

 

وهذا السعر المنخفض (كان أعلى سعر للدوج كوين 200 ساتوشي تقريباً، ما يساوي 0.002 دولار) هو أحد الأسباب التي تجعل الكثير من محبي العملات المشفرة يرونها غير جديرةٍ بالاهتمام.

 

لكنَّ العملة المشفرة ما زالت تُوفِّر قيمةً لجماعةٍ من الناس يتاجرون معاً في ما يتراوح بين 50 ألف دولار وأكثر من 200 ألف دولار في اليوم، كما توضح البيانات. وما زال فريق مطوريها المكون من ثلاثة متطوعين يتابع المشروع، لكن في أوقات فراغهم بالطبع.

 

وشرح روس نيكول، وهو أحد مطوري الدوج كوين ويبلغ من العمر 37 عاماً، أنَّ “هذا مشروع نقوم عليه بأنفسنا، أو هواية نمارسها بين الحين والآخر”.

 

لكن على الجانب المشرق للمجتمع المهتم بتلك العملة، قال نيكول لموقع CoinDesk أنَّه على الأرجح سينقطع قليلاً عن وظيفته الأساسية مطوراً للبرمجيات في شركة R3 المتخصصة في تقنية البلوكتشين للعمل على تحديثٍ للدوج كوين قريباً.

 

وكيلر أيضاً لم يفقد الأمل في الدوج كوين، إذ أضاف: “حين تكون جزءاً من مجتمع بهذا الحجم لما يزيد عن ثلاثة أعوام، فأنت ترتبط به. فضلاً عن أنَّك تعرف كيفية عمله، وإذا أمكنك تطبيق هذه المعرفة بشكل سهل نسبيًا في العمل على تحديثات، أو تقديم شيء جديد إلى المجتمع، فلم لا تفعل ذلك؟”.

 

ووفقاً لكيلر، الذي هو أيضاً مطوِّر تطبيقات هاتفية لشركة خطوط السكك الحديدية الألمانية، الشيء الوحيد الذي قد يدفعه إلى ترك منصب مطور الدوج كوين هو أن يتوقف الجميع عن استعمالها.

 

العملة “الزومبي”

 

وهنا يكمن السؤال الحقيقي بخصوص إذا كانت بروتوكولات العملات المشفرة، كالأنواع الأخرى من البرمجيات، يمكن أن تمر بتجربة “موت” حقيقية.

 

وفقاً لنيكول، تلك ليست مهمة سهلة. حتى برنامج الدوج كوين القديم (المستمر حتى فورك فبراير/شباط 2014) ما زال يمكن استعماله اليوم إذا بدأت عقدتان في تشغيل البرنامج وتمكَّنتا من التواصل مع بعضهما.

 

بالبرمجية الصحيحة، يمكن لكل واحدة تعدين معاملات الأخرى، وتجمعا آلافاً من العملات عديمة القيمة في الحقيقة.

 

وقال نيكول إنَّ العملات المشفرة “أشبه بالزومبي قليلاً. من الصعب للغاية أن تقتل عملة مشفرة”.

 

قد يعتبر البعض العملة المشفرة عديمة القيمة “ميتة”، لكن يُغفِل ذلك أي قيمة تعليمية أو مسلية يمكن لذلك التوكن أن يقدمها. على سبيل المثال، قال نيكول إنَّه حتى بعد فورك 2014، كان أعضاء مجتمع العملة يتداولون النسخة القديمة من العملة في ما بينهم لما يقرب من خمسة أو ستة أشهر.

 

وقال: “كانت عملةً نشطة، لكن لم يكن يمكنهم استعمالها في المتاجر ولا في التداول. لا نعرف لما كانوا يفعلون ذلك، لكنَّهم كانوا يستمتعون بوقتهم كثيراً”.

 

لكن كيف تقتلها حقاً؟ وفقاً لنيكول، ستتطلب رصاصة الرأس القاتلة “للعملة الزومبي” محو الكود القديم من GitHub، مما يُصَعِّب بشدة إعادة برمجتها بما أنَّه لا أحد تقريباً يحتفظ بنسخٍ من كود المصدر. إلا أنَّ طبيعة برمجيات مفتوحة المصدر تعني أنَّه، في تلك الحالة النادرة، يمكن أن تكون هناك بعض النسخ من الكود في مكانٍ ما على الإنترنت.

 

وفقاً لغيديون غرينسبان، المؤسس والمدير التنفيذي لشركة Coin Sciences، هناك طريقة أخرى لردع كائنات الزومبي المشفرة هذه من شأنها أن تكون مدمرةً كالموت نفسه.

إذ قال غرينسبان: “حين تبدأ دوامة الموت لأي عملة يتناقص سعرها وعدد معدنيها مع الوقت حتى تصبح في مرحلة ما غير آمنة بالمرة وتبقى المسألة مسألة وقت حتى يقوم أحدهم بهجوم 51% مما يعني إبطال العديد من المعاملات المؤكدّة”.

 

وأضاف أنَّه في تلك النقطة: “تفقد العملة المشفرة الثقة والقيمة بصورة كاملة، نظراً لإحجام الناس عن التعامل بها بثقة”.

 

وحتى دون هجوم، يمكن أن تنتهي العملات المشفرة.

 

إذ يرى غرينسبان أنَّ هذا ما حدث للماستر كوين. وقال إنَّه حين بدأ سعر العملة المشفرة ينخفض، لم يعد المطورون يؤمنون بأنَّهم يعملون على مشروع سيحقق لهم ثروةً في المستقبل. ونتيجةً لذلك، تخلوا عما يملكون من الماستر كوين، مما أدى إلى تفاقم المشكلة.

 

وقال كيلر إنَّ النتيجة أشبه بالموت الاقتصادي وليس الموت التكنولوجي.

 

تحيا الدوج كوين

 

في ما يتعلق بحالها اليوم، على الأرجح لن تشهد الدوج كوين موتاً تكنولوجياً.

 

فالمطورون الأساسيون الحاليون عاقدو العزم على الحفاظ على استمرار الشبكة من أجل المجتمع، ما دام هناك من يريدون تعلم المزيد عن العملات المشفرة عن طريق التجربة، أو مستخدمون أكثر جدية ما زالوا يشترون سلعاً رقميةً على Steam، وهو أحد الأسواق الإلكترونية لألعاب الكمبيوتر.

 

وقال نيكول إنَّه من المرجح أن يكون هناك تحديث للدوج كوين قريباً جداً، بما أنَّ البتكوين قد مرت بتحديثين أو ثلاثة تركز على الأداء وتحسين واجهة المستخدم منذ آخر تحديث للدوج كوين في 2015.

 

وأضاف: “يرجح كل هذا تطوير تحديث يهدف إلى مزيدٍ من المكافأة وليس المخاطرة”.

 

لكن هناك تحديث على الأرجح لن تشهده الدوج كوين، وهو Segregated Witness، التحديث المقترح للسعة في شبكة البتكوين. إذ لا يرى فريق المطورين الأساسيين فائدةً من SegWit للدوج كوين، التي لا تملك نفس قيود البتكوين، بما أن معدل إطلاقها أسرع بكثير.

 

وفي ما يتعلق بالفترة الطويلة من الخمول من ناحية التطوير، أشار كيلر إلى الإصدار 1.7 من العملة البديلة، الذي صدر في أواخر 2014 ليحل محل الكود الأصلى، كان هدف فريق المطورين منه تحقيق استقرار تكنولوجي لفترةٍ طويلة من الزمن للعملة.

 

وبينما ستُحقَّق تحسينات الأداء على الأرجح من خلال سوفت فورك، لا تشمل الخطة إجراء أية تغييرات كبرى من خلال هارد فورك إلا في حال وجود سبب مُلزِم، كتهديدٍ أمني.

 

وقال كيلر: “هناك مقولة تنصح بعدم تغيير أي شيء في آلةٍ تعمل بالفعل. وهي تنطبق على هذا الموقف. إذا كانت الدوج كوين تعمل جيداً، وتعطي نتائج إيجابية، فلا أرى سبباً للعبث بها”.

المصدر

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.