المقدمة
للبتكوين أثر مثير للاهتمام على جيل الشباب، لأنَّها غالباً ما تكون تجربتهم الاستثمارية الأولى. توصلت دراسةٌ حديثة إلى أنَّ أكثر من 30% من جيل الألفية يفضلون امتلاك ما يعادل ألف دولار من البتكوين بدلاً من ما يعادل ألف دولار من الأسهم أو السندات. ربما يكون استطلاع الرأي هذا غير نزيه تماماً، مع ذلك، ما تزال الفكرة القائلة بأنَّ جزءاً كبيراً من جيل الشباب يفضل بشكل كبير التعامل بالبتكوين أكثر من الاستثمارات التقليدية قائمة. هل لهذا أثر إيجابي، أم ينبغي لنا أن نشعر بالقلق مما قد يخلفه ذلك على مستقبلهم على المدى البعيد؟
لماذا يعد الاستثمار في البتكوين غير صحي؟
على الجانب السلبي، يُملك العديد من المستثمرين الشباب في البتكوين توقعاتٍ غير واقعية عندما يتعلق الأمر بالعائدات. ويرى الكثيرون أنَّ 10% في الشهر هو عائد “غير مشجع”، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنَّ قيمة استثماراتهم الإجمالية تميل إلى أن تكون ضئيلة، وإلى أنَّ قيمة البتكوين شهدت في بعض أوقاتها ازدياداً يصل إلى 50%. ونتيجةً لذلك، غالباً ما تكون لدى الشخص الذي يستثمر للمرة الأولى في البتكوين توقعاتٌ مثالية وغير واقعية بشأن عائداته. ويكون الأمر أكثر سوءاً بالنسبة لأولئك الذين يستثمرون في العملات البديلة عالية الخطورة (على أساس أنَّ البتكوين لم تكن خطرةً بما فيه الكفاية)، التي يكون بعضها أقرب إلى أسهم المضاربة التي تساوي أقل من سنت واحد .
إضافةً إلى ذلك، الكثير من المستثمرين المبتدئين الذين يبدأون بالاستثمار في العملات المشفرة لديهم إدراك محدود للمخاطر. وبالنظر إلى أنَّ السوق كان في صعودٍ طويل لأكثر من عام، ومع الوضع في الاعتبار أنَّ أكثر من 50% من المشاركين الحاليين في السوق لا تتعدى مشاركتهم عاماً واحداً (بناءً على نمو مستخدمي منصة كوين بيس)، فإنَّ معظمهم لم يمروا بأي خسارةٍ كبيرة حتى ديسمبر الفائت. ولدى العديد منهم أرباح تفوق استثماراتهم الأولية بنسبة 10 إلى 1، وهذا يعني أنَّه حتى عندما شهد السوق انخفاضاً كبيرًا، كانوا ما يزالون متفوقين على ارباح سوق الأسهم (الذي شهد ازدهاراً في الآونة الأخيرة).
من السهل أن تكون معرضاً للمخاطر إذا قررت اللعب بالأرباح. هذه مغالطة شائعة تُسمى مغالطة المقامر، التي يتأثر بها الجميع وانا ايضًا (الدولار هو دولار، لا يختلف إذا كان هذا الدولار مصدره اموال استثمارك او ارباحك، لكن عقولنا تتعامل مع دولار الربح باعتباره مختلف عن دولار الاستثمار). المجموعة الوحيدة من الأشخاص الذين خسروا من رؤوس اموالهم وخلاص (التي لم تنشأ من فرط التداول) هم أولئك الذين بدأوا الشراء في ديسمبر/كانون الأول، حين ارتفعت قيمة البتكوين إلى 20 ألف دولار.
ومع ذلك، حتى بين تلك المجموعة الديموغرافية، هناك مجموعة أصغر يعاني أفرادها خسائر فادحة مع ازدهار العملات البديلة أثناء هذا انخفاض البتكوين. وهذا يعني أنَّ أي فردٍ اشترى عملات البتكوين في ذروتها (20 ألف دولار)، لكنه مازال محتفظًا بنقوده كعملات بديلة فهو مازال يربح إلى الآن.
في الواقع، رأينا حتى تحولاً في ما يمكنني تسميته “سردية السوق”، حيث يعلن عددٌ متزايد من الأفراد موت البتكوين بينما تستحوذ نظيراتها من العملات البديلة الأفضل “من الناحية التكنولوجية” على مكانتها. ويشير هذا إلى أنَّ العملات البديلة تحفظ للعديد من المستثمرين مكاناً فعلياً في السوق، مما يعني أنَّ المجموعة الديموغرافية التي تعرضت لخسائر فعلية فادحة عدد أفرادها ضئيل للغاية.
وحقيقة أنَّ عدداً قليلاً جداً تعرض لخسائر في هذا السوق هو الحجة الرئيسية هنا وراء فكرة أنَّ الاستثمار في العملات المشفرة يعرض المستثمرين المبتدئين للخسائر، لأنَّ توقعاتهم بشأن العائدات ليست واقعية، إضافةً إلى أنَّ تصورهم عن المخاطر تفسده مغالطة المقامر. ليس من الصواب إذاً القول إنَّ العملات المشفرة في فقاعة حاليّاً، إذ نرى عملاتٍ رقمية مثل ترون ذات تاريخ ملتوٍ، يمكن القول (ما لم أخطئ الترجمة) إنَّها سرقت الورقة البيضاء الخاصة بها من مشروع آخر ودون أي منتج، وبأكواد غير أصلية، تتلقى تقييماتٍ تتجاوز 10 مليارات دولار بسبب الضجة التسويقية. ويقول المنتقدون إنَّ المضاربة ليست استثمارًا فهذا السلوك القائم على المضاربة لن يخلف إلا الألم والمعاناة في نهاية المطاف. تفقَّد على سبيل المثال حركة الأسعار فى نهاية ديسمبر 2017.
لماذا ليس الأمر واضحاً تماماً
بينما أتفق مع العبارة الأخيرة المحبِطة، فهناك عناصر أكثر إيجابية يجب التركيز عليها في الاستثمار في العملات المشفرة. أولاً وقبل كل شيء، يمكن أن يؤكد معظم المستشارين الماليين حقيقة أنَّ السبب الأكبر وراء عجز الأشخاص عن التقاعد بسلاسة هو أنَّهم لا يدخرون أي أموال. وغالباً ما يُعَد ديف رمزي، رجل الأعمال والمؤلف الأميركي، أكبر دليل على هذه الفكرة، إذ يحاول الاستشهاد بها مراراً كحجة واهية ضد أي شخص يقول له إنَّ الأرباح السنوية للصناديق الاستثمارية التعاونية التي تبلغ 12% هي محض هراء (وهي كذلك فعلاً).
ومع ذلك، تعد العبارة المتعلقة بالتقاعد صحيحةً إلى حدٍ كبير، فهناك عدد مفاجئ من الأميركيين الذين لا يدخرون أي أموالٍ تُذكر، وينطبق الأمر ذاته على بلدانٍ أخرى أيضاً. يركز من هم في عالم المال بشكلٍ كبير على تحسين الاستثمار؛ أي تحقيق أقصى قدر من العائدات، وتقليل المخاطر، وتحقيق منافع التنويع، وتخصيص فئات الأصول الصحيحة، واتقاء تقلبات أسعار الفائدة، إلخ.
لكنَّ الحقيقة هي أنَّه ما دمت تتدخر الأموال وتسدد ديونك، فأنت تسبق غيرك بخطوة. النصيحة الأهم التي يقدمها عديدٌ من المستشارين الماليين هي ببساطة تمرير هذه الفكرة البسيطة لمزيدٍ من الناس، حتى لو كان ذلك يعني أنَّ يحصلوا على أموالٍ أقل. وهنا تحديداً تظهر البتكوين و العملات المشفرة الأخرى لإنقاذ الموقف.
يود الأكثر خبرة بيننا أن يشير إلى أنَّ وهم العائدات المرتفعة والمخاطر “المنخفضة” سيؤدي في نهاية المطاف إلى إصابة الكثير من المستثمرين الشباب بصدمة حقيقية (ربما بسبب حدوث مثل هذا الانهيار على سبيل المثال). ومع ذلك، فإنَّ هذا الوهم بالتحديد هو ما يشجعهم على أن يصبحوا مستثمرين في المقام الأول.
ستعترض على كلامي هذا بشدة، وترى أنَّه كلامٌ غبي لأنَّ هذا بالتحديد السبب في أنَّهم “يستثمرون!”. وتقول إنَّه عندما تنفجر الفقاعة (وليس إنْ)، سيصابون بالإحباط الشديد من الاستثمار، لأنَّهم لن يرغبوا أبداً في المشاركة مرة أخرى. انظر إلى كل الأشخاص الذين استثمروا في مشروع Bitconnect (أدى مخطط احتيال على اسلوب خدعة بونزي إلى انهيار قيمة العملات المشفرة مؤخراً)، يجب أن نحميهم من هذا المصير الحتمي. سوف يلومون الجميع وكل شيء عدا أنفسهم، سيرون أنَّ السبب هو أنَّ الحيتان تلاعبت بالسوق، أو أنَّ الحكومات لا ترغب في أن تشهد له نجاحاً، أو أنَّ البنوك خفَّضت قيمة عملاتها بشدة، وأنَّ منصات التداول تتآمر ضدهم، وغيره الكثير. لا أحد يتحمل مسؤولية أي شيء لم يمارس الانضباط لتحقيقه.
أنت على حق. عندما تنفجر الفقاعة في النهاية، ستوجَّه الأصابع في كل مكان. لا يقبل العديد من المستثمرين بأنَّهم المسؤولون عن سوء التسعير الفادح لجميع العملات المشفرة تقريباً، خاصةً بالنظر إلى أنَّ الكثير منها تغذيها الإيديولوجيات السياسية. ومثلما كانوا يصفقون للعملات المشفرة، فإنَّهم سيحولون موقفهم ضد ما تقرر الجماهير أنَّه السبب الرئيسي في ظهور الفقاعة. سوف يعانون الخوف وعدم التأكد والشك ويلومون المستثمرين التقليديين على سهولة التلاعب بهم.
لماذا يعد الاستثمار في البتكوين ذا آثار إيجابية
لكن لا تدع هذا الواقع المحتمل يثنيك عن حقيقة أكبر وأكثر قيمة، فالعديد من الناس يبتعدون عن الإنفاق ويستثمرون بدلاً من ذلك بسبب العملات المشفرة. إذا كنت قد شاركت في عالم البتكوين لمدة تزيد على أسبوع، فمن المحتمل أنَّك سمعت عن قصة البيتزا اللتي تجاوزت قيمتها 100 مليون دولار. إنَّها قصة غبية إلى حدٍ كبير نظراً لأنَّ البتكوين لم يكن ليكون لها أي قيمة اليوم دون استخدام الأشخاص لها حين كانت قيمتها أقل من سنت واحد، لكنَّ الانطباع الذي تخلفه عند الأشخاص هو الجزء ذو الصلة هنا: لماذا تنفق الأموال على أي شيء عندما تستطيع ادخاره في البتكوين والحصول على المزيد منه في المستقبل؟
المضحك هنا أنَّ هذا المفهوم ينطبق على جميع الاستثمارات. يمكنك استبدال كلمة البتكوين في هذه الجملة بأي شكلٍ آخر من الاستثمارات، سواءٌ كان أسهم، أو سندات، أو عقارات، أو أعمال تجارية شخصية، إلخ. لكن كما يقولون، كل شخص له سعر، وفي هذه الحالة، السعر هو العائد، والأسهم ليست مثيرة للاهتمام بما فيه الكفاية لمن لديه ألف دولار فقط أو أقل للاستثمار. كم عدد المراهقين الذين سمعتهم يقولون: يا إلهي! 100 دولار في السنة إذا كنت محظوظاً؟ أعتقد أنني يجب أن أفكر قبل شراء هذا الـ(ضع أي شيء ذي صلة هنا).
أما البتكوين، فإنَّ عائداتها المفاجئة كفيلة لجعل أي شخص، حتى المراهقين، يأخذون خطوةً إلى الوراء ويفكرون ملياً قبل إجراء عملية شراء جديدة. بدأ الناس يأخذون جزءاً صغيراً من رواتبهم ويكرسونها للعملات الرقمية. تراهن على أنَّ ذلك الجزء من الراتب كنت لتنفقه في الأغلب لو لم تكن هناك أي عملات رقمية؟
وهنا يكمن الكشف الهام لأولئك الذين يعرفون أنَّ هذه الأرباح لن تدوم إلى الأبد، وحتى بعدما تنفجر الفقاعة، سيكون الكثير من الناس (حتى أولئك الذين اشتروا حين كانت قيمة العملة في ذروتها) أكثر ثراءً من غيرهم. من الواضح أنَّ الأمر سيشهد تنوعاً، إذ يستثمر بعض الناس في العملات المشفرة بالكامل بدلاً من الأسهم أو تسديد ديونهم. بل إنَّ البعض يبذلون جهداً أكبر ويقترضون المال لزيادة الاستثمار. من المرجح أن يصبح هؤلاء الأفراد أقل ثراءً من المتوقع (قد يصل الأمر إلى حد الإفلاس)، لكنَّ التأثير الصافي غالباً ما سيكون إيجابياً.
وأظن أيضاً أنَّ عدداً من الأفراد الذين حققوا نجاحاً استثنائياً عند الاستثمار في العملات المشفرة من المحتمل أن ينتقلوا إلى استثماراتٍ أكثر تقليدية نظراً لأنَّهم يرون أنَّ قيمة حافظة استثماراتهم تزيد من 5 أرقام (أي عشرات الآلاف) إلى 6 أو 7 أرقام (أي ملايين). ستأتي لحظة سيعتبر أي شخص مراهق أنَّ العائدات التي تبلغ نحو 7 إلى 10% سنوياً (أو أقل نظراً للتوقعات الحالية لأسواق الأسهم) هي مبلغ ضخم وجذاب. غير أنَّ سوق الأسهم ليس رخيصاً الآن كذلك للمفارقة.
وعلاوةً على ذلك، يجب على أولئك الذين يخوضون تجربتهم الاستثمارية الأولى في البتكوين والعملات المشفرة أن يكون لديهم تحمُّل قوي للتقلبات. فالخسائر التي تزيد على 30% شائعة، وهو رقم يعتبر الوصول إليه في سوق الأسهم كارثةً حقيقية. العديد من الأشخاص الذين استثمروا في العملات المشفرة لمدة تزيد على بضعة أشهر لا تؤثر فيهم التوجهات التي رأيناها الأيام القليلة الماضية، وهم أقل عرضة لاتخاذ قراراتٍ عاطفية (مع أنَّني في واقع الأمر أفكر في ردة فعل هؤلاء الأفراد أذا لم تتعافَ البتكوين في غضون شهرٍ واحد). هذا من شأنه إعدادهم للركود المستقبلي والأسواق الهابطة حينما تحدث.
الاستنتاج
مجملاً، بينما لا يعد الاستثمار فقط في العملات المشفرة قراراً حكيماً من الناحية المالية (على الأقل من حيث الجوهر)، فهو يرحب بفئةٍ جديدة تماماً من المستثمرين في العالم. عندما تنفجر الفقاعة، ستترك أثراً سيئاً لديهم، لكن من المرجح أن يكون كثيرٌ منهم أكثر ثراءً حتى بعد انفجارها، حتى إذا اشتروا بأسعارٍ مرتفعة. ويرجع ذلك إلى أنَّ العديد من هؤلاء الأشخاص الذين يستثمرون فقط في العملات المشفرة لم يجذبهم الاستثمار التقليدي قط في المقام الأول، وكانوا يفضلون صرف الأموال بدلاً من الاستثمار فيه، ما يعني عائد استثمار سلبي بنسبة 100% بالنظر إلى قيمة معظم العناصر عند محاولة بيعها مرةً أحرى (والأهم من ذلك، الكسل الذي يعانيه معظم الناس عند بيع أي شيء لم يعودوا بحاجةٍ إليه).
بالنسبة لأولئك الذين يختبرون ما يمكن أن يقدمه الاستثمار لهم، قد يفكرون في التوجه إلى عالم الاستثمارات التقليدي، خاصةً بالنظر إلى عدد “المؤثرين” في هذا المجال الذي يشجع مثل هذا الاختيار. وكما هو الحال مع جميع الأمور، فالاستثمار في العملات المشفرة ليس عمليةً سهلة الفهم كما يصورها البعض. في كثيرٍ من الحالات، يمثل الاستثمار نقطة انطلاق لا مفر من المرور بها إذا أردت الدخول إلى عالم تراكم الثروة وتحقيق الاستقلال المالي. سيحقق بعض المحظوظين ذلك قبل أن تنفجر الفقاعة ويُؤمِّنوا موقفهم (تهانينا إذا نجحوا في ذلك)، لكن حتى لو أخذنا هؤلاء الأفراد بعين الاعتبار، ما زلتُ أظن أنَّ الاستثمار في العملات المشفرة أمرٌ إيجابي بالنسبة لجيلنا الأصغر.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.