سواءً كنت تعتقد أن فيسبوك بمثابة عملٍ تجاري مثالي ومكانٍ جيد للعثور على زملاء الدراسة القدامى، أو كنت تراه مجرد مضيعةٍ للوقت، فهو يعد في النهاية مجرد محطةٍ في مسار التطور طويل الأمد الذي طرأ على الإنترنت، وسنتجاوز هذه المحطة من دون شك.

تعتبر الإنترنت فضاءً لتقويض النظم المعمول بها. وفي السابق، كان الأشخاص الذين يرغبون في التجمع، يعمدون إلى البحث ضمن الرسائل غير المرغوب فيها ضمن ذاكرة بريدهم الإلكتروني، أو الحصول على خدمة إنترنت الطلب الهاتفي، أو التوجه نحو أمريكا أون لاين. ثم ظهرت لنا الشبكة العنكبوتية العالمية، وأمسى امتلاك موقعٍ خاصٍ أمرًا رائعًا على نحوٍ مفاجئ. وكانت شركة إيه أو إل أول خطوةً في هذا المسار، إلى أن بادر زميلٌ ذكي يدعى مارك زوكربيرغ بتطوير موقعٍ يتيح لمستخدميه التجمع والتواصل فيما بينهم، وأطلق عليه اسم فيسبوك الذي يرمز له بحرفيْ “إف بي”.

سرية بيانات العميل

في إطار الانتخابات الرئاسية الأمريكية لسنة 2016، ظهرت مزاعم تفيد بوجود تلاعبٍ أجنبي بالمعلومات الموجودة على فيسبوك. وخلال الأسبوع الفارط، مثل زوكربيرغ أمام الكونغرس الأمريكي في جلسةٍ امتدت 10 ساعات. ويتمثل السؤال المركزي في خضم هذه الجلسات في كيفية تمكن أي شخصٍ من الوثوق في قاعدة بيانات مركزيةٍ تحتوي على كل التفاصيل التي تتعلق به.

ينص البند الأول من شروط الخدمة لموقع فيسبوك على أن المستخدم يمتلك بمفرده حق النفاذ إلى معلوماته الخاصة، وهو ما دأب زوكربيرغ على تكرار بيانه أثناء جلسته أمام الكونغرس. وعلى الرغم من ذلك، تشير الأنباء الأخيرة إلى أن هذا الأمر بات موضع شكٍ.

ربما لم يصل فيسبوك إلى مرحلةٍ تجعلنا نشبهه بشركة “إي أو إل” بعد، إلا أن هذا الأمر سيحدث عاجلًا أو آجلًا. ومن المبكر أن يبدأ تدفق رؤوس الأموال الاستثمارية في صلب الشركات الناشئة التي تتطلع لأن تحل محل فيسبوك. في الأثناء، بدأت مكونات شبكة تواصل اجتماعيةٍ جديدة تلوح في الأفق.

أفاد ليونارد كلينروك، أستاذ علم الحاسوب في جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس وأحد مخترعي الإنترنت، “نحن نشهد بداية موجة اهتمامٍ كبيرةٍ بأمر لا يتمتع بسلطة مركزيةٍ، حيث يشارك الجميع في نظامٍ لا يمتلكه أحدٌ”.

يعمل كلينروك مع شركة “صنداي غروب” على مشروعٍ يسمح للأشخاص بتشكيل مجموعاتٍ قائمةٍ على الاهتمامات المشتركة، على غرار الموسيقى أو المطبخ، والتعرف على بعضهم البعض والحصول على مكافآتٍ نظير اكتساب جملة من الخبرات. ويرتكز هذا المشروع على البلوكتشين بشكلٍ جزئي، وهي التكنولوجيا الكامنة وراء العملة الرقمية التي تدعى البيتكوين.

مميزات البلوكتشين

تتسم البيتكوين بصفاتٍ كنت لترغب في وجودها ضمن شبكة تواصل اجتماعي جديدةٍ، حيث أنها لامركزيةٌ بشكلٍ يحول دون امتلاك أي شخصٍ قاعدة بياناتٍ للمعلومات. ويمكن لكل شخص مشارك في شبكة البلوكتشين أن يتحكم في الأصول الخاصة به، بما في ذلك معلوماتهم الخاصة.

في عالم تحدد أطواره تكنولوجيا البلوكتشين، لا يمكن لأي نشاطٍ تجاري يهدف إلى تحقيق كسبٍ مادي من خلال عرض الإعلانات على حساب المعلومات الشخصية، أن يستغلها من دون علم المستخدم، تمامًا مثلما فعل فيسبوك. ويجب على الشركة التعامل بشكلٍ فردي مع المستخدمين للحصول على إذنٍ بالاستخدام. وهو ما يمكنك أن تطلق عليه “الانخراط في النظام”، مقابل سياسة “التحكم الفردي في النظام” التي يتبعها فيسبوك.

يعد فيسبوك الفضاء الذي يقصده الأشخاص ليشعروا بأنهم مترابطون، وأي شيء يشغله يحتاج إلى أن يكون له “تأثير الشبكة” ذاته. في البداية، اقترح روبرت ميتكالف، أحد مخترعي تكنولوجيا إيثرنت للربط الشبكي، فكرةً تفيد بأن قيمة الشبكة تزداد بمعدلٍ يتوافق مع مربعات أعداد الوحدات المشاركة. ويعرف هذا التوجه بقانون متكالف. وصرح ميتكالف إلى موقع بارون بأن فيسبوك هي الشركة التي تطبق قانون ميتكالف بالشكل الأمثل.

أظهرت الأبحاث الأخيرة أن البلوكتشين تمتلك تأثير شبكةٍ يتوافق مع قانون متكالف، فكلما ازداد عدد الأشخاص الذين يستخدمون شبكة البلوكتشين، زادت شعبيتها. لكن ذلك لا ينفي وجود بعض المعضلات، حيث أن شعبية البلوكتشين الجارفة تأتي من مضاربات البيتكوين والعديد من العملات الأخرى، مع إمكانية زوالها ليكون مصيرها مماثلًا لزهرة الخزامى التي يضرب بها المثل.

وبشكل مغايرٍ للشبكة العنكبوتية، ليس من السهل استخدام البلوكتشين. ويتوجب على هؤلاء المحبين المسايرين للتوجهات أن يشتروا حواسيب ذات بطاقات رسومياتٍ باهظة الثمن من “نفيديا” أو “إي إم دي”.

على نحو يثير المزيد من المخاوف، تبقى جميع المعلومات مخزنةً على البلوكتشين للأبد، بغض النظر عن ماهيتها، ولا تستثنى صورك المحرجة من سهرة البارحة من هذا التمشي. وبشكلٍ مخالفٍ لفيسبوك، لن تتمكن من حذف هذه الصور لأنك حينها ستتسبب في انتهاك سلامة النظام.

صرح تيم أوريلي، المراقب التكنولوجي الأسطوري ومؤسس شركة أوريلي ميديا، أنه “من الناحية النظرية، يمكن للبلوكتشين أن تشكل شبكة تواصلٍ اجتماعي، لكن يبدو أن ذلك غير ممكنٍ من الناحية العملية. أنا أشكك بشأن تطبيقات ميتو، فلا يمكن أن تكون هذه التطبيقات نسخةً مما هو موجود، بل يجب أن يكون هناك شيء جديدٌ وجوهري”.

المصادر مفتوحة المصدر

أشار أوريلي إلى أن البرامج مفتوحة المصدر مثل “لينيكس” لم تتمكن من إزاحة مايكروسوفت عن عرشها وتكون بديلًا لائقًا لها. ويرجع سبب فوز المصدر المفتوح إلى أنه أصبح حجر أساس خدمات الإنترنت والتطبيقات الجديدة التي تمتلك قواعد مختلفةٍ تمامًا. واستطرد أوريلي قائلًا إن أي بديلٍ لشبكة التواصل الاجتماعي قد تطلب نوعًا من واجهة استخدام جريئةٍ وجديدةٍ تمامًا. وهو ما دفع مارك زوكربيرغ لشراء شركة أوكولوس للواقع الافتراضي واعتمادها كواجهة تحوطية للمستقبل.

أورد كلينروك أن عمله في نظام السمعة يمكنه من تقديم الإضافة في المجال الاجتماعي. كما أضاف كلينروك أن الخدعة تكمن في امتلاك عدة مجالاتٍ متعلقةٍ بمصالح مشتركةٍ، حيث يكون لديك بالفعل بعض القيمين المعترف بهم. فإذا كنت شغوفًا بالموسيقى وكنت تتبع أشخاصًا يشاركون بشكلٍ كبيرٍ في المجال الموسيقي، فستسعد حتما بالتعامل معهم، وربما تقدم لهم مكافئةً، مع نوعٍ من الجائزة المالية لقاء خبرتهم. ويأمل كلينروك أن يبدد هذا الجهد المعلومات الخاطئة مثل الأخبار المزورة.

نوه كلينروك بأن “الجيل الذي ينشأ اليوم اعتاد التفاعل مع محيطه والإشارة إلى الأشياء دون وجود سلطةٍ مركزيةٍ. إنهم يحترمون المصادر الدقيقة ويعترفون بها على أساسٍ منتظمٍ في كل مرة يجدونها”. في المقابل، يرى أوريلي أن المتفائلين بشأن أسهم شركة فيسبوك يجب أن يأخذوا بعين الاعتبار حقيقة أن إزاحة فيسبوك هو احتمالٌ مثيرٌ للإحباط. ولا يعني ذلك أن فيسبوك لن يتم استبداله أبدًا، لكنني أقول إن ذلك مستبعد الحدوث إلى حين رؤيتنا لواجهة المستخدم الرئيسية التالية.

لكن الإنترنت تتسم بالجشع؛ فهي تقفز على الأفكار الناجحة وتعيد تشكيلها في حلةٍ  جديدةٍ، ثم تزيح النظام القديم. وهو ما قد يستغرق عدة سنواتٍ. لكن عندما يحدث ذلك، فإن السبب الرئيسي هو كعب أخيل الحرس القديم، والميل إلى تجاوز حدوده وكسر الثقة مع المجتمع.

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.