عرض جوزيف كابل، أستاذ في جامعة بنسلفانيا، خياراً بسيطاً يشمل  فرضيتين؛ إما الخروج من مختبره بمبلغ 20 دولارا وهو متيقن من ذلك، أو المراهنة من أجل الحصول على فرصة أكبر من خلال تعزيز فرص الربح بنسبة 40 بالمائة، والحصول على 80 دولاراً.

قد يعتبر العديد من خبراء الاقتصاد أن اتخاذ هذا النوع من القرارات يعتمد على حجم المخاطرة التي يرغب الشخص في خوضها، أو بعبارة أخرى على شخصيته. لكن كابل ليس بخبير اقتصادي ولا مختص في علم النفس، بل هو عالم أعصاب يراهن على التركيبة العضوية للدماغ التي تحدد إلى حد بعيد كيفية التعامل مع مثل هذه القرارات.

دراسة جديدة

في دراسة قام بها مع زملائه، وتم نشرها يوم الثلاثاء في صحيفة نيورون، كشف كابل عن وجود ثلاث خصائص عضوية للدماغ تساعد في التكهن بمدى ميل الإنسان للمخاطرة.

وقد شملت هذه الدراسة 108 شخص تتراوح أعمارهم بين 18 و35 سنة، قاموا بالمشاركة في لعبة أجراها كابل. طرح 120 سيناريو على المشاركين، حيث كان عليهم أن يقرروا بين مكافأة مضمونة بقيمة 20 دولاراً وبين المراهنة للحصول على جوائز نقدية أكبر مع درجات متفاوتة من المخاطرة.

بعبارة أخرى، تأرجح القرار بين قبول مبلغ 20 دولاراً دون خوض أي مخاطرة مقابل المجازفة بنسبة 50 بالمائة للحصول على 40 دولاراً، أو بنسبة 70 بالمائة للحصول على 30 دولاراً، أو بنسبة 10 بالمائة مقابل الحصول على 90 دولاراً أمريكياً.

ويتم الدفع للمشاركين بناءً على اختيارهم لفرضية واحدة. ولكن، نظرا لعدم قدرتهم على الاختيار، اضطر هؤلاء للعب جميع الفرضيات كما لو كانت كلها حقيقية. وبالنظر لكيفية اتخاذ القرار بشأن جميع الفرضيات من قبل المشاركين، سجل كابل مدى قابلية تحمل كل فرد للمخاطرة. وبشكل منفصل، تم إخضاع المشاركين ذاتهم من قبل الباحثين لأنواع مختلفة من فحوصات الدماغ (دون أن يُطلب منهم التفكير في شيء ما على وجه الخصوص).

وقد كشف التصوير بالرنين المغناطيسي عن حجم اللوزة الدماغية لدى كل مشارك، وهي منطقة دماغية يعتقد أنها تعالج الخوف والعواطف الأخرى. كما قامت قراءة أخرى للرنين المغناطيسي بقياس مستوى النشاط الأساسي في اللوزة الدماغية وفي القشرة الأمامية الوسطى للدماغ، وهي منطقة تعتبر حلقة وصل لصنع القرار.

وكشف الفحص الثالث، باستخدام تقنية تسمى نشر التصوير الموتر، عن ارتباط مستوى الأنسجة المكونة من الألياف العصبية وربط اللوزة الدماغية بالقشرة الأمامية الوسطى للدماغ، التي تلعب دور الناقل العصبي لتبادل المعلومات بين الاثنين.

وقد وجد كابل وفريقه أن الأشخاص الذين أقدموا على أكبر المراهنات يملكون في الغالب لوزة دماغية أكبر مع ارتباط أقل بالقشرة أمام الجبهية الوسطى. لكن على الرغم من وجود عدد أقل من الروابط، بدا نشاط هاتين المنطقتين أكثر تناسقاً، ما يعكس مقياساً يسمى بالاتصال الوظيفي، عند أولئك الذين فضلوا استغلال الفرصة مقارنة مع أولئك الذين حبذوا توخي الحذر.

نتائج مذهلة

وفقًا لإيفات ليفي، عالمة الأعصاب في كلية الطب بجامعة ييل، التي لم تكن جزءا من الدراسة الجديدة، كانت النتائج مذهلة، كما كان من الصعب فك شفرتها. وأوردت ليفي أن استخدام كابل وزملائه لأنواع مختلفة من فحوصات الأشعة توفر صورة أكثر تفصيلا للعلاقة التفاعلية بين تركيبة الدماغ والإقدام على المخاطرة مقارنة بالأبحاث السابقة.

وأضافت العالمة قائلة:” لقد قمنا باستخدام واحدة فقط من بين هذه التقنيات الثلاث في عملنا هنا”. في إطار بحث لها، وجدت ليفي علاقة بين الإقدام على الخطر وكمية الخلايا العصبية في جزء آخر من الدماغ يسمى الفص الجداري وليس اللوزة الدماغية أو القشرة أمام الجبهية الوسطى. وذكرت ليفي أن الدراسة الجديدة تعكس صورة كاملة لتركيبة ووظيفة الدماغ فيما يتعلق بالمخاطرة.

يعتبر التفسير الكامل لتلك الصورة وتفسير الروابط التي لاحظها كابل بين أنسجة الدماغ والمخاطرة أمرا يشوبه الغموض. كيف يمكن للأشخاص الذين يميلون إلى اتخاذ مخاطر أكبر أن يمتلكوا عددا قليلا من روابط الأنسجة التي تربط اللوزة الدماغية بالقشرة أمام الجبهية الوسطى، في حين تحقق هذه المناطق تعاونا تناسقا أكبر فيما بينها؟

في هذا الشأن، أفادت ليفي، قائلة: “لا يمكنني سوى التكهن، خاصة وأن النتائج معقدة للغاية. ربما يكون العدد المحدود من الروابط واعتماد الضروري منها فقط  السبب وراء جعل الاتصال الوظيفي أقوى بالفعل”.

من جهته، أوضح كابل، أنه “كل ما تعزز الترابط على مستوى الوظائف الدماغية، باتت القشرة أمام الجبهية الوسطى، المسؤولة على اتخاذ القرارات العقلانية والمدروسة، أكثر هيمنة على حساب اللوزة الدماغية التي تتحكم في الجانب الغريزي لدى الأشخاص. وتابع كابل، أن “القشرة المخية يمكنها الولوج إلى المعلومات على عكس اللوزة الدماغية”.

في مثل هذه الحالة، وفي ظل تكفل هذا الجزء من الدماغ المسؤول عن اتخاذ القرار بتقييم المخاطر، ربما يمكن للمجازفين أن يأخذوا بعين الاعتبار الاحتمالات المختلفة أو قد يشعرون بقدر أقل من الخوف حول خياراتهم.

وفقاً لكابل ما يفسر هذه الاختلافات التشريحية في المقام الأول يعد بمثابة لغز آخر. ربما تكون أدمغة الناس مختلفة ببساطة أو ربما تكون تجارب الحياة قد أدت إلى تطور عقولهم بشكل مختلف. وأكد كابل، في هذا الصدد، أن الوضع الاجتماعي والاقتصادي لشخص ما، ودرجة فهمه الرياضيات، ومدى معايشته الحرمان المادي، تعد عوامل تؤثر على خصائص الدماغ”.  من المفترض أن تحدث كل هذه التأثيرات فرقا فيما يتعلق بمدى استعداد الشخص للمقامرة بأمواله ومن الممكن أن تعيد تشكيل دماغه بطريقة أو بأخرى.

من جهتها، أوردت أجنيسيزكا تيمولا، وهي عالمة في علم الأعصاب في جامعة سيدني، لم تسجل مشاركة في البحث الجديد، أن الأمر سيستغرق بعض الوقت لفهم هذه العوامل ولكن القيام بذلك قد يكون بمثابة نعمة خاصة بالنسبة لخبراء الاقتصاد.  وأضافت تيمولا، أن “الدراسة رائعة لأنها تساعد على كشف الجزء المسؤول في الدماغ على النسق الذي يقدم وفقه الأشخاص على المجازفات. وعن طريق هذا الأمر، يمكنك كتابة نماذج اقتصادية مبنية على المتغيرات البيولوجية، وجعل النماذج أكثر قوة”.

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.