في مارس/آذار 2018، انضمت مجموعة من ألمع العقول من عالم البلوكتشين إلى ممثلين عن قطاع المالية والقانون، بالإضافة الى مجال الصناعات التكنولوجية العالمية، بغرض مناقشة سبل تبني تقنية البلوكتشين على نطاق واسع.

ومن المثير للاهتمام أن هذه التظاهرة لم تعقد في منارة التكنولوجيا المالية لندن أو في الوجهة الأولى للشركات الناشئة سان فرانسيسكو.

وكانت جوهانسبرغ، في جنوب أفريقيا، وجهة الدورة الرابعة لمؤتمر بلوكتشين أفريقيا الذي وقعت استضافته في المقر الرئيسي لشركة مايكروسوفت، وفق ما ذكر موقع Venturebeat.

ولا تزال غالبية الدول الأفريقية تصنف من بين الدول النامية، حيث عرقلت مخلفات الاستعمار نموها، الأمر الذي أدى بدوره إلى خلق مشاكل متعددة على غرار بروز النزاعات المسلحة والفساد، بالإضافة إلى تفشي الفقر.

وبدأت منظومة البلوكتشين تكتسب زخما في العديد من المناطق، خاصة وأن لهذه التقنية القدرة على إحداث تأثير كبير على مستوى الاقتصاد والمجتمعات في أفريقيا.

وفي الوقت الذي قد لا تحظى فيه الأنظمة التكنولوجية الأفريقية بالاهتمام الذي تستحقه، نجد أن المنطقة تضم عدداً من الأوساط الناشئة المختصة في البلوكتشين والعملات الرقمية.

وتعمل بعض الجهات المحلية الفاعلة على الاستعانة بهذه التقنية لمعالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، في حين تستغلها على اعتبارها منصة للانطلاق نحو السوق العالمية.

 

مراكز بلوكتشين ناشئة

ولا تزال مجتمعات البلوكتشين في المراحل الأولى من تطورها مقارنة بالمراكز الرقمية في أوروبا الوسطى والشرقية وسويسرا. وعلى الرغم من ذلك، تشهد هذه المجتمعات نمواً على نحو مطرد في كل من كينيا وجنوب أفريقيا ونيجيريا والسودان.

وتعتبر بيتهوب أفريقيا، التي تتخذ من نيروبي مقرا لها، والتي تأسست في ديسمبر/ديسمبر 2015، منظمة داعمة للمشاريع المحلية الناشئة.

وتضطلع المنظمة بمهمة توفير الخدمات الاستشارية للمنظمات المهتمة بنشر وإرساء الحلول التي تقدمها البلوكتشين في جميع أنحاء أفريقيا والشرق الأوسط.

كما تقوم بمساعدة الشركات الناشئة المحلية على اطلاق عملها بسرعة. وتكرس المنظمة اهتماماً خاصاً باحتضان الشركات الناشئة التي تعتمد على القروض الصغرى، في حين تتعاون مع الجهات التنظيمية المحلية للدعوة إلى تبني وإدراج تقنية البلوكتشين في صلب السياسات التكنولوجية في كينيا، وإرساء لوائح تنظيمية ملائمة بالنسبة لعروض العملة الأولية والعملات الرقمية.

 

نصائح للشركات المحلية

في جنوب أفريقيا، توفر أكاديمية البلوكتشين، الواقعة في مدينة كيب تاون، دورات تدريبية حول العملات الرقمية وتقنيات البلوكتشين لفائدة الشركات الناشئة ورجال الأعمال المحليين.

وتقوم المؤسسة بتقديم جملة من النصائح الى الشركات المحلية حول كيفية تبني تقنية البلوكتشين بطريقة أنجع ضمن نماذج مشاريعها. كما تؤمن المؤسسة دورات تدريبية في نادي “ألفا كود” في جوهانسبرغ.

وتعمل أكاديمية البلوكتشين بشكل وثيق مع المؤسسات المالية المحلية وممثلين عن مجموعة باركليز أفريقيا وبنك ستاندرد وبنك سوازيلاند المركزي، الذين يعتبرون من الخريجين السابقين.

ويعود السبب وراء تحول البلوكتشين إلى موضوع الساعة في القطاع المالي في المنطقة إلى إطلاق البنك الاحتياطي لجنوب أفريقيا (SARB)، وهو البنك المركزي للبلاد، مبادرة تكنولوجية مالية جديدة مع شركة كنسانسيس(ConsenSys) الناشئة في مجال العملات الرقمية بالاعتماد على منصة “بلوكتشين كوروم”.

والجدير بالذكر أن مجموعات أخرى أصغر حجماً اكتسبت مكانة في السودان، حيث بدأت تنظم لقاءات وتظاهرات فيما يتعلق بالمجال الرقمي في سنة 2015.

وقد تطورت منذ ذلك الحين لتصبح مجتمعات أكبر وأكثر نشاطاً، وذلك بفضل القوة المنبثقة من توحد الجماعات في منصات التواصل الاجتماعية، وخاصة فيسبوك. في الأثناء، أخذ عدد من المشاريع المتعلقة بالبلوكتشين بالتأصل في البلاد، بما في ذلك شركة تطوير البلوكتشين كودكسي، ومشروع تعدين الذهب القائم على البلوكتشين إس جي للتعدين، الذي يدعم العملة الرقمية الخاصة به عبر أصول الذهب.

 

أول مؤتمر تحالف للبلوكتشين في نيجيريا

عُقد أول مؤتمر تحالف للبلوكتشين في نيجيريا في تشرين الثاني/نوفمبر من سنة 2017 بمدينة لاغوس. ووفقًا لموقع “بيتكوين أفريكا. أي أوBitcoin Africa.io، شهدت الأوساط المهتمة بالبلوكتشين في نيجيريا نموًا كبيرًا على مدار السنتين الماضيتين.

في حين وقع بعث عدد من الشركات الناشئة، بالإضافة إلى مبادرة تطوير علم التشفير في نيجيريا (CDIN)، التي تهدف إلى نشر العلوم وتثقيف النيجيريين حول الفوائد المحتملة للبلوكتشين والعملات الرقمية.

وقد جمعت شركة بلوكتشين النيجيرية الناشئة المعروفة بشورريمت مؤخراً أكبر طرح أولي للعملة في أفريقيا حتى الآن، بقيمة 8 ملايين دولار لصالح منصتها الخاصة بالتحويلات غير النقدية.

حتى الآن، تم تبني البلوكتشين بشكل غير منتظم في أفريقيا لكن استخداماتها الجديدة وظفت لحل مشاكل اجتماعية واقتصادية وسياسية حقيقية يعاني منها مئات الملايين من الناس كل يوم.

 

محاربة الفساد

يتمثل أحد أهم عوامل الجذب التي تتسم بها تقنية البلوكتشين في خاصية اللامركزية والشفافية، مما يجعلها متعددة الاستخدامات في إطار مكافحة النظم السياسية والانتخابية الفاسدة.

خلال آخر انتخابات أجريت في سيراليون، اعتمدت الشركة السويسرية أغورا البلوكتشين لضمان عملية جمع نزيه للأصوات الانتخابية. في هذا الإطار، بادر الممثلون الموثوقون في مراكز الاقتراع بإحصاء الأصوات ثم حفظ النتائج على منصة البلوكتشين الخاصة بأغورا.

في حين أن تقنية البلوكتشين حققت الغرض المنشود منها، من المهم الإشارة إلى أن المشروع تم تنفيذه في الجزء الغربي من البلاد فقط ، وأن النتائج غير الرسمية التي جمعتها أغورا لا تزال مختلفة عن النتائج الرسمية التي أعلنتها الحكومة. ومنذ ذلك الحين، قامت الحكومة بتقليص الدور الذي لعبته أغورا في الانتخابات، مدعية أنه سمح لممثلي الشركات الدخول على أساس أنهم “مراقبون” ولكنهم لم يشاركوا شخصياً في الانتخابات.

في تصريح له لراديو فرنسا الدولي، أفاد الرئيس التنفيذي لشركة أغورا، ليوناردو غنار، بأن المشروع كان بمثابة اختبارٍ ولم يبرز القدرات الكاملة للتكنولوجيا التي ستسمح بالتصويت الإلكتروني عن بعد، وستحارب شراء الأصوات. كما تتوقع أغورا أن يتم تبني تقنيتها على نطاقٍ واسع في جميع أنحاء القارة لإجراء الانتخابات المستقبلية.

في غانا، ساعد مشروع “بيتلاند” على تسوية النزعات على الأراضي منذ سنة 2016، عن طريق استخدام البلوكتشين، حيث يتمثل دور شبكة بيتلاند في تخزين تسجيلات الأراضي. وقد جُرب هذا المشروع، إلى حد الآن، في 28 دائرةً محليةً في كوماسي، ويأمل المنظّمون إلى الحد من التهجير غير القانوني والفساد في المنطقة من خلال السماح للمواطنين بتسجيل سندات ملكية أراضيهم بطريقة لا يمكن حذفها وتغييرها من قبل طرفٍ ثالثٍ، وذلك بفضل طبيعة هذه التكنولوجيا.

 

مكافحة التضخم

تعتبر العملات الرقمية مفيدةً جدًا في النظم الاقتصادية التي تفرض قيودًا على نقل الأموال عبر الحدود، والتي تكون فيها إمكانية النفاذ العمومي إلى الخدمات المصرفية منخفضةً، أو تعاني فيها الاقتصاديات المحلية من التضخم.

أما في زيمبابوي، التي عانى اقتصادها تضخمًا سريعًا في السنوات الأخيرة، شهدت مبيعات البيتكوين ارتفاعًا مع اندفاع السكان المحليين لحماية مدخراتهم قبل انخفاض قيمتها نتيجة التضخم المالي وتفشي الفساد، وافتقار الشعب للثقة في الحكومات والبنوك المركزية والمؤسسات المالية.

لكن التوسع السريع لملكية الهواتف الذكية في إفريقيا، الذي تضاعف استعمالها في غضون عامين فقط، يمكن المستخدمين المحنكين من الناحية التقنية من تنزيل المحافظ الرقمية لتخزين العملات، لتأمين أموالهم.

مع ذلك، لا يعد التبادل المالي القائم على الهواتف الذكية بالأمر الجديد في بلدان مثل كينيا، التي تعتبر رائدة عالميًا في أنظمة إقراض الند- للند ا عبر تطبيقات الهواتف الذكية.

في السابق، أظهرت العديد من البلدان الإفريقية، ميلها إلى ما يعرف بالقفزات التكنولوجية النوعية  ويتجلى ذلك من خلال استخدام الإنترنت في الهواتف الذكية، وإقراض الند- للند عبر الهاتف الجوال من قبل الأشخاص الذين لا يستطيعون النفاذ إلى إنترنت المودم، أو الخدمات المصرفية التقليدية في المقام الأول. في المقابل، يجادل الخبراء بأن انعدام وجود الأنظمة القديمة يمكن أن يسهل تبني التكنولوجيات الناشئة مثل البلوكتشين، بشكلٍ أسرع وأكثر سلاسة.

 

تعدين العملات الرقمية يعطي فرصًا جديدة عبر القارة وعلى مستوى العالم

يمكن تداول العملات الرقمية من أي مكان في العالم تقريبًا، مع تدخل محدود من الحكومات أو البنوك أو الهيئات التنظيمية نظرًا لطبيعتها اللامركزية. وفي مقال لوكالة بلومبيرغ نُشرت مؤخرًا، أكد المعدن والمستثمر في عملة البيتكوين، يوجين موتاي،  أن تعدين العملات الرقمية “يساهم في تحقيق نسبة من التكافؤ في الأسواق العالمية، التي لا تمنح أشخاصًا مثله الفرصة للانخراط فيها”.

يستخدم معدنو البيتكوين الأفارقة، على غرار موتاي، أجهزة كمبيوتر محلية الصنع لتعدين عملة البيتكوين. وعلى الرغم من أن إنشاء هذه المعدات قد يكون صعبًا ومكلفًا، ناهيك عن أن الأجهزة تستهلك مقدارًا كبيرًا من الطاقة، إلا أنها توفر مصدرًا للدخل بالنسبة لأولئك الذين يستطيعون الاستثمار في المعدات الضرورية ودفع فواتير الكهرباء.

وفي مصر، سنت الحكومة لوائح تنظيمية بخصوص امتلاك البيتكوين، ورفض البنك المصري قبول تداول العملات الرقمية، لكن ذلك لم يمنع معدني العملات الرقمية من ممارسة هذا النشاط بطرق سرية.

وعلى الرغم من أن عملية التعدين ليست محظورةً بشكلٍ رسمي، إلا أن المعدنين يمارسون معاملاتهم في كنف السرية خوفًا من اتهامهم بجرائم أخرى على غرار حيازة عملات أجنبية بطريقة غير قانونية.

وحسب موقع Bitcoin Africa.io، تعتبر المدن المصرية الكبرى على غرار القاهرة، موطنا للعديد من مزارع تعدين البيتكوين السرية، وتحتضن مجتمع المعدنين الذين يتبادلون الإرشادات والنصائح والمعلومات مع بعضهم البعض عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات الرسائل.

وفي حين أنه من الصعب الحصول على مكونات الحاسوب وبطاقات الرسوميات اللازمة لعملية تعدين العملات الرقمية في البلدان الإفريقية أكثر من أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية، تعتبر التكلفة الزهيدة نسبيا للكهرباء من إحدى المزايا التي تخدم المعدنين الأفارقة.

كما أشار موقع Bitcoin Africa.io، إلى أن المعدنين الأجانب انتقلوا إلى بلدان مثل مصر للاستفادة من إمدادات الطاقة منخفضة السعر. ومع تقدم مجال الطاقة الشمسية، تم تطوير مزارع تعدين ضخمة قائمة على الطاقة الشمسية  في المغرب وبوركينا فاسو وجنوب أفريقيا وأوغندا وكينيا، التي تعتبر من أكبر مزارع التعدين في العالم، ما ساهم في خلق الكثير من فرص العمل، فضلا عن إنتاجها لكمية هائلة من الطاقة التي يأمل أصحابها أن يتمكنوا قريباً من تصديرها إلى أوروبا.

وفي هذا السياق، قال الخبراء إن الدمج بين الطاقة الشمسية وتعدين البيتكوين يمكن أن يكون مربحًا للغاية بالنسبة للبلدان الأفريقية. وفي خضم الجدل القائم حول إمكانية إضفاء تكنولوجيا البلوكتشين لبعد ديمقراطي على المجتمعات في جميع أنحاء العالم، من المهم أن تستثمر الدول النامية قدرًا من الوقت والطاقة في بحث وتطوير الفرص التي توفرها البلوكتشين باعتبارها عنصرا فاعلا في الأنظمة الاقتصادية الأكثر تقدمًا.

ومع زيادة الرقابة من قبل الهيئات التنظيمية، التي تقيد الشركات الناشئة في الولايات المتحدة وأماكن أخرى، قد تكون هذه الفرصة المثلى بالنسبة للدول الأفريقية للمضي قدما، ليس فقط في مجال العملات الرقمية، وإنما أيضًا في التطبيقات الأخرى التي يمكنها حل المشكلات الاجتماعية والسياسية الحقيقية.

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.