تملك كوريا الموارد الكافية لتصبح أول “دولةٍ تعتمد على العملات الرقمية”، التي تعمل على شبكة البلوكتشين، وتدعم الاقتصاد القائم على العملات الرقمية. لذلك سأقدم حوصلة لكل ما تعلمته خلال اليومين ونصف اللذين قضيتهما في كوريا خلال شهر مارس/ آذار الحالي.

يمكن لبعض الدول أن تصبح أول “البلدان التي تعتمد في نظامها على العملات الرقمية”، حيث ستعمل على توسيع نطاق استخدام العملات الرقمية. كما ستكون بمثابة فضاءٍ عالميٍ مخصصٍ للابتكارات المرتبطة بالعملات الرقمية، وستهتم بتصنيف الشركات التي تعتمد على البلوكتشين ولها علاقة متوافقة مع الحكومة. وفي الواقع، يمكن لكوريا الجنوبية أن تكون من بين هذه الدول الرائدة، حيث ستكون مركز اهتمام الجميع خلال السنوات القادمة، لذلك إليكم أهم الأسباب التي جعلت جيريمي إيبستاين، المدير التنفيذي لإحدى كبريات شركات التسويق، يعتقد ذلك.

انتشار الوعي على نطاق واسع واعتماد العملات الرقمية

تشير بعض التقديرات إلى أن نسبة المستثمرين في العملات الرقمية في كوريا تمثل 33 بالمائة من إجمالي عدد السكان البالغين، نظراً لأن امتلاك أصولٍ رقميةٍ يعتبر أمرًا سائدًا في هذا المجتمع. لكن، ساهمت  التكهنات، والحسد، والمنافسة في خلق اهتمامٍ يوجه معظمه نحو عملة البيتكوين. وفي مرحلة ما، بلغت الأسعار ذروتها لتتجاوز أسعار البورصات الأجنبية بنسبة 40 بالمائة، وتعرف هذه الظاهرة باسم “كيمشي بريميام“.

وكانت نتيجة ذلك أن قاعدة العملات الرقمية باتت قائمةً على التعامل مع أكبر عدد من العملاء، وقد انتشر هذا الخبر في كامل أرجاء البلاد. مما سيزيد من الاستخدام اليومي للعملات الرقمية. ومن ناحية الالتزام بما سبق وقيل، تعتبر كوريا ثالث أكبر سوقٍ للعملة الرقمية في العالم، باعتبار أن الدولة لا يمكن أن تعتمد في نظامها على العملات الرقمية إذا لم يكن للمواطنين علمٌ بالتكنولوجيات الموجودة.

سن لوائح تنظيمية من قبل الحكومة أمر متوقع

يعتقد مراقبو السوق أن بعض الشائعات المتعلقة باللوائح التنظيمية للعملات الرقمية التي سنتها كوريا يمكن أن تؤثر على أسعار العملات الرقمية وتساهم إما في انخفاض قيمتها أو ارتفاعها. لذلك، حظرت الحكومة مجددًا العرض الأولي للعملة؛ وقد ترك ذلك الأشخاص في فترة ما في حيرة من أمرهم، إلا أن أغلب المستثمرين الكوريين في العملات الرقمية متفائلون.

وتعتمد الحكومة الحالية، بقيادة الرئيس مون جاي إن، بشكلٍ كبيرٍ على دعم الشباب. وليس من المفاجئ أن فئة الشباب تعتبر من أهم المستثمرين في الأصول الرقمية، فهي تعتبر من أولى الأجيال التي تشهد عصر ازدهارٍ نسبيٍ؛ وهذا يجعل جيل الألفية قادرًا على المجازفة في الاستثمار في العملات الرقمية بطرقٍ عديدةٍ أكثر من أي جيلٍ أكبر سنًا وأكثر وعيًا.

حيال هذا الشأن، قال هنري لي، رئيس قسم التنمية في شركة “أيكون” في سيول، التي تحتل المرتبة 23 في قائمة “كوين ماركت كاب”، إن “الحكومة في حاجة إلى أن يكون الشباب هم مركز القوة، فهم مهتمون بالعملات الرقمية، ما يجعلني متأكدًا من أنهم لن يفسدوا الأمر”.

تجربة هامة للعملات الرقمية على مستوى التصنيف

هناك أمران تعيشهما كوريا الآن، يدفعان إلى نشر المزيد من المعرفة بخصوص العملات الرقمية. أولًا، الاستعانة بأسواق العملات الرقمية الكورية كوسيلةٍ لتهريب الأموال خارج الصين. وثانيًا، وجود حظر على كوريا الشمالية. وقد أدى هذان العاملان إلى ظهور الابتكارات في مجال العملات ومقدمي الخدمات.

على الرغم من أن “الأخبار الرسمية تشير إلى العكس“، يرى العديد من المراقبين في نظام العملات الرقمية الكورية أن هناك أدلة تثبت أن الصينيين يستخدمون أسواق العملات الرقمية الكورية لتهريب أموالهم خارج البلاد. لهذا السبب، يُمنع الصينيين من تحويل أكثر من 15.400 دولارٍ أمريكيٍ نقدًا. كما سمعت من مصادر مختلفة أن الشركات الصينية اعتادت شراء شركات كورية ثم استخدامها لتحويل الأموال، فيما تُحول نسبة من هذه الأموال إلى عملاتٍ رقميةٍ.

أما العامل الثالث فيتمثل في الحصار المفروض على كوريا الشمالية. بعد فرض إدارة ترامب عقوباتٍ جديدةٍ على كوريا الشمالية، أفادت شائعات بأن هناك محاولاتٍ راميةٍ إلى تقديم المساعدات لكوريا الشمالية المحاصرة من خلال العملات الرقمية، التي لا يمكن تتبعها بواسطة الأدوات التقليدية أو هيئات الرقابة الأمريكية. بالإضافة إلى ذلك، قد تعمد كوريا الشمالية إلى تعدين العملة الرقمية بنفسها، وقد تكون في حاجة إلى طريقةٍ لإخراجها من البلاد. كما يوجد أدلةٌ تشير إلى استهداف الكوريين الشماليين لشركات تداول العملات الرقمية من أجل سرقتها.

قال لي سونى كوون، ناشر مجلة توكن بوست الكورية الرائدة، إن “الأشخاص في عالم البلوكتشين على درايةٍ بالمبالغ الطائلة القادمة من الصين في اتجاه الشمال عن طريق القرصنة وغسيل الأموال”. وخلال عملية تداول الأموال، تشهد البورصات الكورية على غراربيتهامب” المدعومة من شبكة المزودين، قدرًا هائلًا من النشاط، ما يضطرهم إلى ابتكار حلولٍ تتعلق بالأمن والتصنيف.

لا تواجه البورصات الأخرى تهديدات إلكترونية مدعومةً من الدولة، وإنما من الكوريين أنفسهم. وقد يكون غسيل الأموال والسرقة الإلكترونية الدافع وراء الابتكار، ولكن يجب أن تعود الحلول بأرباحٍ على بقية القطاعات الأخرى. ولعل ذلك ما شهدنا حدوثه مع صناعات أخرى على غرار المواد الإباحية، كما دفع الابتكار والاستخدام إلى نموٍ لاحقٍ في القطاعات الأخرى.

وقد تسبب تسرب المعلومات الخاصة بهذا البلد في استفادة الشركات الكورية الجنوبية الأخرى المختصة في صناعة البلوكتشين. وهذا ما سيعطيهم بدوره ميزةً تنافسيةً من خلال السماح لهذه الشركات باختبار وتنقيح الكثير من هذه الأنظمة على مستوى المؤسسات الداخلية.

نظام عملات رقمية قوي ومتنامي

في السنة الماضية، نجحت شركة ميتابس بلس، وهي شركة مختصة في القسائم الرقمية، في الانتهاء من أول عرض أولي للعملة الرقمية في كوريا الشمالية. في الأثناء، قامت شركات أخرى قبل ذلك على غرار إيكوم، التي حققت حوالي 45 مليون دولار من العرض الأولي للعملة، ببعث مؤسساتها في مدينة زوغ السويسرية في إطار أكا كريبتو فالي والعديد من الأماكن الأخرى.

أثبتت شركة ميتابس بلس أنه يمكن أن يطلق عرض أولي للعملة في كوريا بناجح. ومنذ ذلك الحين، حقق مؤسسها، كيم سانغ يونغ، نجاحا في الأوساط الرقمية الكورية أشبه بتألق أحد نجوم موسيقى البوب الكوري، وذلك نظرا لأنه على استعداد لتحمل المخاطر في بيئة تنظيمية غير واضحة.

في الحقيقة، لم يكن هناك في المجمل سوى خمس طروحات أولية للعملة في كوريا. لكن ذلك لم يحل دون فتح الطريق أمام ظهور خمسين شركة بلوكتشين ناشئة على الأقل، وأربع صحف تهتم بتقنية البلوكتشين، ومعدل خمسين نشاطا شهريا يتعلق بالبلوكتشين، وأكثر من ألف مجموعة تهتم بالعملات الرقمية على شبكات التواصل الاجتماعي على غرار كاكاو. كما استقطب مؤتمر، “توكن سكاي”، الذي عقد مؤخرا في سيول أكثر من ألف شخص. أما شركة فاونديشن إكس، فتمتلك عشرة عروض أولية عكسية لشركات كورية موجودة قيد التنفيذ. في حين أن هذه الأرقام ليست ضخمة، ولكنها في تنام مستمر.

تحدث كل هذه الابتكارات في سوق يعرف بصلته الشديدة بالعالم الرقمي. بالنسبة للأشخاص الذين غالبا ما كانوا يعانون من التغطية الضعيفة لشبكة المحمول الخاصة بهم أثناء عبور المترو داخل الأنفاق، سيجدون في كل عربة مترو في مدينة سول ليس جهازا لاسلكيا واحدا أو اثنين بل أربعة أجهزة.

في الوقت الحالي، يعد قرابة 92% من الشعب الكوري على اتصال بشبكة الإنترنت، في حين يمتلك قرابة 71 بالمائة منهم هواتف ذكية، وتعد هذه النسبة رابع أكبر نسبة في العالم. لذلك، ليس من المستغرب أن تلجأ شركات الهواتف الذكية وشركات الألعاب إلى كوريا لتجربة أحدث ابتكاراتها، في خضم هذه البيئة الأولى عالميا في اعتماد الهاتف النقال. ويعتبر سوق ألعاب الهواتف الذكية في كوريا الجنوبية الثاني عالميا بعد اليابان. باختصار، اعتاد الكوريون على تجربة كل ما هو جديد في عالم التكنولوجيا قبل الجميع، وسرعان ما تنتشر تقييماتهم بشأن المنتج في العالم بأسره.

في النهاية، يسعى نظام التعليم في كوريا الجنوبية إلى تخريج دفعة من المهندسين الموهوبين القادرين على التعامل مع تقنية البلوكتشين الجديدة. وتشير دراسة حديثة إلى أن كوريا الجنوبية تعد الثانية بعد سنغافورة فيما يتعلق بالنتائج الأفضل في العلوم والرياضيات. وحاليا، يحظى نحو 68 بالمائة من الكوريين، الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و34 سنة، بدرجة البكالوريوس، كما تضم كوريا الجنوبية 6 جامعات من بين أفضل 200 جامعة تقنية في العالم.

يعمل جونغ-هي ريو الحاصل على درجة الدكتوراه، مديرا تنفيذيا لشركة “فيوتشر بلاي“، التي تقع في العاصمة الكورية الجنوبية، سول. وتعتبر شركة “فيوتشر بلاي” واحدة من بين الشركات الرائدة في مجال التكنولوجيا في مدينة سول. وقد صرح هي ريو أن “أفضل مهندسي تقنية البلوكتشين في العالم يعدون من خريجي الجامعات الكورية الجنوبية. كما أن التطور السريع للنظم المحيطة بهم من شأنه أن يساعدهم في اللحاق بشكل سريع بركب سوق التكنولوجيا”.

لقد كنت في مدينة سيول في بداية هذا الشهر، للمشاركة بخطاب في قمة التسويق الرقمي، الذي يعد أكبر مؤتمرٍ للتسويق في كوريا الجنوبية، وكان عدد الحاضرين وقتها نحو ألف شخصٍ. وكانت القمة تحت عنوان “مستقبل التسويق في عالم البلوكتشين“. وعندما كنت أذهب لحضور حدثٍ مشابهٍ في دولٍ أخرى، كنت أسأل الحضور عن عدد الأشخاص الذين يملكون عملة البيتكوين أو أي عملةٍ رقميةٍ أخرى، فيقوم بين 5 و33 بالمائة من الحاضرين برفع أيديهم. ولكن في مؤتمر التسويق الرقمي، رفع تقريبًا جميع الحاضرين أيديهم تأكيدًا على انخراطهم في هذا النشاط.

لقد تجاوز المسوقون وأصحاب الأعمال والمبتكرون الكوريون نشوة البداية المرتبطة بهذه التكنولوجيا، حيث يتطلعون الآن إلى مستقبل استخدام هذه الأصول الرقمية، وتعميمها على مستوى الدولة. وفي حال اندمج كل ذلك مع ثقافة الإنجازات المتعددة وتوجه اقتصادي ناجح، فضلا عن توقعات عالمية متزايدة بصعود كوريا الجنوبية لتصبح من بين أكبر 10 اقتصادات في العالم، نحصل في النهاية على وصفة سحرية لسلسلة من الابتكارات القوية القادمة.

لن تكون كوريا الجنوبية أول البلدان التي تعتمد على العملة الرقمية

لا أعرف تحديدا ما هو شكل نظام الدولة التي ستعتمد على التقنية الرقمية بشكل كامل، ولا أعرف متى سيحدث ذلك. ولكن كل ما أستطيع قوله إن هناك بعض الجوانب التي تعد المقومات الأساسية لأي بلد يعتمد على تقنية البلوكشين والعملات الرقمية. فمن وجهة نظري، يمكن ربط هذه الجوانب بانتشار الخبرات على مستوى المؤسسات والعلاقات الحكومية وتوفر المواهب الأكاديمية والتقنية، وانتشار الوعي في هذا الصدد، مع العلم أن كل هذه العوامل تتوفر بالفعل في كوريا الجنوبية. وقد دفعني ذلك إلى مراقبة السوق الكورية.

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.