على الرغم من أن التطور الذي يشهده عالم التكنولوجيا قد يكون سبباً في حدوث تغيير جذري، إلا أنه لا يمكن التغاضي عن التداعيات السلبية لذلك. فعلى سبيل المثال، يعتبر الإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي معضلة حقيقية، إذ أن شبكة الإنترنت ولّدت الحاجة للإشباع الفوري، في الوقت الذي جعل فيه الذكاء الإصطناعي العديد منا يشعرون بالقلق بشأن المستقبل الوظيفي في مجال التكنولوجيا.
وللأسف، لا تعد تقنية البلوكتشين إستثناءاً في خضم هذه الأحداث. ومع ذلك، يتكالب الجميع للحصول على حصة منها، كما يقومون بضخ مدخراتهم للإستثمار في العملات الرقمية. فهل علينا أن نتوقف لبرهة ونعيد النظر في هذا الموضوع؟
تقدم لنا أليس كو في مقال لها، محاولة لإجابة هذا السؤال.
مفارقة الإنتاجية
يشيد المؤيدون في كل مكان بقدرة تقنية البلوكتشين على تحسين الإنتاجية في العالم، حتى أنني قدمت حجّة مفادها أن البلوكتشين ستُرغم المدققين والمحاسبين على التخلي عن أعمالهم الإدارية ليتمكنوا من إضفاء قيمة على المجتمع.
ظاهرياً، قد يبدو من المنطقي أن أي تغيير تكنولوجي سيساهم في خلق “مكاسب على مستوى الإنتاجية”، سواء كان ذلك في مجال الخدمات المصرفية أو الخدمات اللوجستية أو الإعلانات. ولكن، قبل التصديق بأن البلوكتشين ستساعد على ادخار الوقت، علينا الأخذ بعين الإعتبار “مفارقة سولو”، التي تعرف أيضاً باسم “مفارقة الإنتاجية”، حيث أنه “مع تزايد الإستثمار في تكنولوجيا المعلومات، من المحتمل أن يتدنى معدل إنتاجية العاملين عوض أن يرتفع”.
لقد شهدتُ على مفارقة الإنتاجية أثناء عملي في شركات مختلفة إلى جانب كبار المديرين التنفيذيين واستشاريين آخرين. وقد شاهدت موظفين فنّيين كانوا بالكاد قادرين على العمل على الجداول الحسابية على الإكسل، ناهيك عن استخدام عدد لا يحصى من معادلاته، التي يمكن أن تجعل من عملهم أكثر إنتاجية وكفاءة.
وفي حين قد ينسب البعض النواقص التي ذكرتها سابقاً إلى سوء التدريب والخلل الموجود على مستوى ممارسات التوظيف، ألا يجب النظر بجديةٍ في المخاوف التي طرحتها مفارقة سولو في حال كان من المتوقع أن تجتاح تقنية البلوكتشين جميع القطاعات؟ وبالتأكيد أن إساءة فهم هذه التكنولوجيا قد يضيف ساعات إلى أيام عملنا، بدلاً من تقليصها.
لذلك، وقبل التسرع والوثوق بما يُعرف بالمكاسب الإنتاجية، يجب أن نجعل الحيطة اللازمة والتخطيط الإستراتيجي من ضمن أولوياتنا، لضمان استعداد الموظفين والمنظمات بشكل مناسبٍ للتحول القادم على مستوى الثورة التكنولوجية. فإذا ما تم فرض تقنياتٍ جديدةٍ على الموظفين دون فهمٍ أو تدريبٍ كافييْن للأدوات المتوفرة، قد يتسبب ذلك في انخفاضٍ أكبر في معدل الإنتاجية وارتفاعٍ في مستويات التوتر في مكان العمل (إذ يتسبب التوتر في مشاكل صحية)، وفي نهاية المطاف خلق المزيد من ساعات العمل.
ركود النشاط الذهني
تسمح تقنية البلوكتشين بالتثبت من المعاملات عبر نظام مضاد للتلاعب ويعتمد على خاصية التحقق التلقائي، وهو ما يجعل الكثيرين يتطلعون إلى زمن نتخلى فيه عن الوسطاء (وتكاليفهم)، حيث تصبح مهام من قبيل التدقيق والمراجعة من الماضي. كما ستصبح جميع البيانات المسجلة على البلوكتشين موثوقة نظراً إلى أن المعاملات غير قابلة للتحوير.
قد يبدو هذا الأمر وكأنه من وحي الخيال، إلا أنه قد تبيّن أن الاتكال على التكنولوجيا يؤثر سلباً على الأداء البشري. وفي هذا الإطار، نجد أن “تأثير غوغل” (أي عدم الاعتماد على المعلومات من الذاكرة لأننا نعلم بأن غوغل يحمل الإجابة) حقيقي وفي انتشار متزايد. وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن 90% من الأشخاص يعانون من مرض فقدان الذاكرة الرقمي هذا.
لهذا السبب، وعلى طريقنا نحو الوثوق في كل ما يتم تسجيله على البلوكتشين، دعونا نأخذ بعين الاعتبار ما قد يحدث لقدرة أفراد المجتمع في ممارسة التشكيك بشكل سليم والتفكير دون الإعتماد على تقنية البلوكتشين. فعلى سبيل المثال، لا زلت أعرف العديد من المختصين في مجال المالية الذين يعمدون إلى استعمال الآلات الحاسبة الخاصة بهواتفهم بدلا من القيام بالعملية الحسابية في أذهانهم. فهل يعود ذلك إلى أنها أكثر ملائمة فعلا أم لأنهم فقدوا القدرة على القيام بالعمليات الحسابية؟
وفي حين تبيّن بعض الدراسات أن المجتمع يواجه خطر انخفاض معدل الذكاء نتيجة الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا، يجب أن تكون هذه الدراسات بمثابة راية حمراء، إذ أن الحفاظ على صحة الدماغ واستخدام قوته بشكل متزايد يعتبر أمرا ضروريا، في الوقت الذي نواصل فيه حل المشاكل بشكل جماعي حول العالم.
وهو ما أوضحته مجلة ساينتفك أمريكان، إذ أنه “وبما أننا تحررنا من ضرورة تذكر الوقائع، فقد نكون قادرين كأفراد على استخدام مواردنا العقلية المتوفرة من أجل مشاريع طموحة”.
لذلك، كيف يمكننا ضمان أن يكون الاتجاه الذي نسلكه مع البلوكتشين مماثلا؟ وبدلا من الاتكال على تكنولوجيا البلوكتشين واعتبارها بمثابة “العنصر الفاعل”، يمكننا اعتبار هذه التقنية كنوع من أداة التحقق الاحتياطي للاستفادة من أنظمتنا الحالية بدلا من الاستبدال الكلي.
ولضمان استمرار مهارات الفكر النقدي الممتازة، دعونا نحتفظ أيضا بالمهارات اللازمة لأداء المعاملات بأنفسنا بغض النظر عن التقنيات التي يمكنها إتمام المهام، على غرار الآلات الحاسبة، ذلك أنه يجب على التكنولوجيا دعمنا لا أن تحل محلنا.
التغيير في مجموعة المهارات
لقد بدأت مسيرتي المهنية في التدقيق وهذا ما يفسر ميلي لامتلاك عقلية مشككة كلما قمت بدراسة إحصائية أو مقياس. كما أنني سريع في التأكد من صحة المصدر. وعلى الرغم من أن المعاملات داخل شبكة البلوكتشين تولد الثقة بصفة طبيعية، إلا أنني أعتقد أن “الموثوقية” التلقائية بهذه المعاملات ستؤثر سلبا على المهارات الاجتماعية والسلوك البشري.
ويعود ذلك إلى العقلية التي نشأنا عليها، التي من خلالها تعلمنا أن نكون مشككين في بعض الأمور، وبالرجوع إلى المكان الذي عشت فيه أين تم تلقينك في وقت مبكر أن تثق ببعض المنظمات على غرار البنك والحكومة. وعندما أصبحنا بالغين، وجدنا بأننا نثق بصفة تلقائية في تكنولوجيتنا الموثوقة (فمتى خذلك منبه هاتفك آخر مرة؟)
إن مخاوفي تتمثل في مدى تأثير الثقة في الاقتصاد المستقبلي المبني على تكنولوجيا البلوكتشين، على النواميس الاجتماعية. فهل سيظل الأشخاص يثقون في المعاملات خارج شبكة البلوكتشين؟ وهل ستصبح البلوكتشين الطريقة الأساسية المعتمدة للتحقق من جميع البيانات؟ وهل ستساهم في تعزيز مفهوم الثقة في المجتمع أم ستقوم بزعزعته؟ وهل ستكون الصفقة أو الاتفاق الذي يبرم خارج شبكة البلوكتشين مشروعا؟
وفي حال اعتمدنا، في نهاية المطاف، على تكنولوجيا البلوكتشين كوسيلة للتثبت وإدارة المهام والمعاملات، فأني أتوقع انخفاض مجموعة المهارات المهمشة والسلوكيات الاجتماعية المهمة.
وقد يساهم فقدان الوسطاء على غرار السماسرة والوكالات والمدققين، في تدهور مهاراتنا في الوساطة والتفاوض وإدارة المشاريع. وعلى هذا الأساس، يعد الوقت الراهن وقتا حاسمًا للبدء في التخطيط لهذا الأمر وتحديد الطرق للحد منه.
وعلى الرغم من كل الشيء، إلا أننا توصلنا بالتجربة إلى أن التقنيات الجديدة تحل المشاكل القائمة، بيد أنها ستخلق مشاكل جديدة. لذلك، دعونا نستعد وفقا لذلك هذه المرة.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.