لطالما ردد عباقرة الإنترنت المصابين بجنون الارتياب، فرضية سعي الجواسيس الأمريكيين سرًا لتقويض نجاح وازدهار عملة البيتكوين الرقمية.
وفي البداية، برزت هذه العملة، التي اكتسبت شعبيةً متزايدةً في صفوف المستثمرين من هواة المضاربات والثراء السريع، في شكل مشروعٍ سابقٍ لعصره، يهدف لجعل التحويلات المالية مفتوحةً للعموم وقابلةً للتثبت وفق المعادلات الرياضية، مع ضمان حماية الخصوصية، وفق ما ذكر موقع ذا إنترسبت.
ويؤكد المدافعون عن البيتكوين، أن الحكومات التي تسعى بطبعها لفرض نوع من السيطرة والرقابة على تدفق الأموال، تبذل جهودًا محمومةً لتقويض هذا النظام المالي البديل، القائم على التكنولوجيا المشفرة ومبادئ الليبرالية. وتبين أخيرًا أن هذه الشكوك، التي لطالما رددها هواة نظرية المؤامرة، ليست مجرد خيال.
وثائق سنودن السرية
وأظهرت الوثائق السرية، التي قدمها موظف وكالة الأمن القومي الأمريكية السابق إدوارد سنودن، أن وكالة الأمن القومي الأمريكية بذلت جهودًا كبيرةً لاستهداف مستخدمي البيتكوين حول العالم، ونجحت فعلًا في الحصول على بعض مصادر المعلومات، بهدف “تعقب مرسلي ومستقبلي البيتكوين“، حسب مقطع سري ورد ضمن تقريرٍ داخليٍ للوكالة، يعود تاريخه إلى مارس/ آذار 2013.
وحسب وثائق أخرى، يبدو أن مصدر المعلومات الذي حصلت عليه الوكالة، مكنها من جمع وتحليل عددٍ كبيرٍ من بيانات تدفق الإنترنت حول العالم، إلى جانب استغلال برمجية كمبيوتر مجهولة الاسم، كان يفترض بها أن تحافظ على سرية هويات المستخدمين.
وورد في هذا التقرير الداخلي التابع لوكالة الأمن القومي، المؤرخ بتاريخ 15 مارس/ آذار 2013: “على الرغم من أن الوكالة مهتمة بمراقبة بعض العملات الرقمية المتنافسة، إلا أن البيتكوين هي الأولوية رقم 1”.
وتشير هذه الوثائق إلى أن عملية تعقب مستخدمي البيتكوين سارت بشكل جيد، وتجاوزت مجرد مراقبة دفتر حفظ تحويلات البيتكوين، المعروف تقنيا باسم البلوكتشين، الذي تتم فيه الإشارة إلى المستخدمين دون كشف هوياتهم. وقد تضمنت عملية التعقب جمع معلومات شخصية حول حواسيب هؤلاء المستخدمين.
نجحت وكالة الأمن القومي في الحصول على كلمات السر التابعة لبعض مستخدمي البيتكوين، وسجلّ نشاطهم على شبكة الإنترنت. كما أشارت مذكرة مؤرخة بتاريخ 29 مارس/ آذار 2013 إلى أن الوكالة نجحت في الحصول على “عناوين الماك” الخاصة بأجهزة هؤلاء المستخدمين.
“بيانات المستخدمين والمزودين”
وفي نفس هذه الوثيقة، ناقش المحللون مسألة تعقب عناوين الإنترنت الخاصة بالمستخدمين، ومعلوماتٍ أخرى دقيقةٍ متعلقةٍ بنشاط مستعملي البيتكوين: مثل منافذ الحاسوب المستخدمة، والمواعيد التي تمت فيها الأنشطة المتعلقة بالبيتكوين.
ويبدو أن الوكالة سعت لجمع المزيد من البيانات؛ ففي مذكرة بتاريخ 29 مارس/ آذار 2013 طُرحت تساؤلات حول ما إذا كان مصدر المعلومات قد تأكد من هوية المستخدمين، واقترحت أن تقوم الوكالة بالاحتفاظ بمعلومات مستخدمي البيتكوين في ملف تحت اسم “بيانات المستخدمين والمزودين”.
كما اقترحت المذكرة الاستفادة من القدرات البحثية القوية للوكالة، لاستهداف المتعاملين بالبيتكوين، ملمحةً إلى أنها ربما تكون استخدمت نظام البحث “إكس كي سكور” لجمع وتبويب كميةٍ هائلةٍ من المعلومات المتعلقة بالبيتكوين، وتعزيز قاعدة المعلومات المتوفرة حول هذا الملف.
وأشارت وثيقة مرجعيةٌ أخرى تابعةٌ لوكالة الأمن القومي إلى أن مصدر البيانات الذي اعتمدت عليه، قدم لها بيانات المستخدمين، مثل معلومات الدفع بالإنترنت وعنوان “آي بي” المستخدم. وبوجود هذه المعلومات بين يديها، كانت الوكالة قادرةً على ربط أي اسم بهوية سرية لمستخدمي البيتكوين.
ويبدو أن مشروع التجسس الذي أطلقته وكالة الأمن القومي استمد نجاحه من القدرات غير المحدودة التي تتمتع بها، حيث اعتمد للتجسس على تدفق الإنترنت في كوابل الاتصالات البحرية التي يتم الاعتماد عليها لتغطية كافة أنحاء العالم.
وبداية من سنة 2013، كانت مراقبة البيتكوين تتم في إطار برنامجٍ سريٍ يُرمز إليه باسم “أوكستار”، وهو عبارة عن مجموعةٍ من الشراكات السرية مع شركات الاتصالات الأخرى، لتمكين الوكالة من مراقبة الاتصالات بعدة طرق من بينها جمع بيانات الإنترنت أثناء تدفقها في كوابل تقنية الألياف الضوئية التي تستخدم كأساس لتغطية كافة أنحاء العالم بشبكة الإنترنت.
التجسس على معدات الشبكة
وبشكلٍ خاص، استهدفت وكالة الأمن القومي مستخدمي البيتكوين عبر “مانكي روكت”، وهو برنامج فرعي تابع لأوكستار، يهدف للتجسس على معدات الشبكة من أجل جمع بيانات من الشرق الأوسط، وأوروبا، وأمريكا الجنوبية وآسيا. وبداية من ربيع سنة 2013، كان برنامج “مانكي روكت” المصدر الوحيد للتجسس على الإشارات الإلكترونية، من أجل مراقبة مستخدمي البيتكوين.
لقد تضمنت هذه الوثيقة، المؤرخة بتاريخ 29 مارس/ آذار 2013، استخدام وكالة الأمن القومي لعبارة “سيغ داف”، التي تعني التجسس على الإشارات الإلكترونية المتعلقة بكوابل الإنترنت والأقمار الصناعية، في إشارةٍ إلى أن الوكالة لم تكن تملك أي وسيلةٍ أخرى لمراقبة مستخدمي البيتكوين.
ووُصفت هذه البيانات، التي تم جمعها من خلال برنامج “مانكي روكت”، في المراسلات الداخلية للوكالة بأنها “عمليات تجسس مكتملة الأبعاد“، أي أن كل البيانات التي تمر عبر شبكة الإنترنت تم فحصها، مع الاحتفاظ بنسخةٍ من العديد منها من أجل تحليلها لاحقًا.
في نفس الوقت، وصفت هذه الوثائق برنامج التجسس “مانكي روكت” بأنه “برنامج لمراقبة الهويات السرية لمستخدمي الإنترنت في الدول غير الغربية”، ويتواجد أغلب المستهدفين بهذا البرنامج في إيران والصين، وقد تم الشروع في تنفيذ هذا المشروع خلال صيف 2012.
من غير الواضح ما هي طبيعة هذا البرنامج بالضبط، ولكن يبدو أنه تضمن نشر برمجيةٍ على شبكة الإنترنت والترويج لها تحت مسمياتٍ مزيفةٍ، وتشير الوكالة إلى أن هذه الخطوة جاءت ضمن إستراتيجية طويلة الأمد لرصد الأهداف المتورطة في الإرهاب، مثل المنتمين لتنظيم القاعدة. ومن خلال استخدام المتورطين لهذا المنتج أثناء تصفحهم للإنترنت، ستتمكن الوكالة من الاطلاع على بياناتهم.
باب خفي
لكن، يبدو أن نطاق أهداف هذا البرنامج تجاوز مراقبة الإرهابيين، إذ أن هذه البرمجية مهما كان اسمها، كانت في الواقع تعمل كطعم لاصطياد البيانات السرية للمستخدمين، عبر خداع المتعاملين بالبيتكوين وإغرائهم لاستخدام برمجيةٍ يتم إيهامهم بأنها تحمي خصوصيتهم على شبكة الإنترنت. وفي الواقع، كانت هذه البرمجية مزودةً بـ “باب خلفي” يرسل البيانات مباشرة لوكالة الأمن القومي.
وذكر ماثيو غرين، الأستاذ المساعد في جامعة جونز هوبكينز في قسم سلامة المعلومات، أن “فرضية إطلاق وكالة الأمن القومي الأمريكية لعمليةٍ كاملةٍ في أعالي البحار تحت غطاءٍ مزيفٍ من أجل تعقب أهدافها، هو عملٌ خبيثٌ وضار، لأن هذه الممارسات سوف تخلف حالة من انعدام الثقة في برمجيات حماية الخصوصية بشكل عام، خاصة في بلدانٍ مثل إيران، حيث تستخدم هذه الأدوات من قبل المعارضين السياسيين. وهذا يعزز الرواية القائلة إن الولايات المتحدة هي طرفٌ لا يمكن الوثوق به، وهذا يثير قلقي”.
أما وكالة الأمن القومي، فقد رفضت التعليق على هذا المقال. أما “مؤسسة البيتكوين”، وهي منظمةٌ حقوقيةٌ غير ربحيةٍ، فلم تتمكن من التعليق بشكلٍ فوريٍ.
وعلى الرغم من أن عملة البيتكوين تقدم العديد من الفوائد والامتيازات العملية مقارنةً بالعملات التقليدية، إلا أن أهم ميزة تتمتع بها هي اللامركزية. ولا يوجد أي بنكٍ للبيتكوين، ولا حتى مؤسسةٌ ماليةٌ بعينها تقوم بتعقب هذه العملة ومراقبة من يستخدمونها.
غالبًا ما يساء فهم البيتكوين على أنها تحافظ على سرية الهوية بالكامل، يد أن كل عملية تحويلٍ ماليٍ فيها مرتبطة في الواقع بشيفرة هويةٍ معروضة للعموم وتسجل على البلوكتشين. وعادة ما تطلب شركات تبادل البيتكوين معلوماتٍ عن الحساب البنكي أو البطاقة الائتمانية من عملائها، من أجل تحويل البيتكوين إلى دولاراتٍ أو يوروهات.
حماية الخصوصية
مع ذلك، تضمن البيتكوين قدرًا من حماية الخصوصية يفوق بكثيرٍ ما توفره أساليب الدفع التقليدية، التي تتطلب كشف المعلومات الشخصية الكاملة، مثل رقم الضمان الاجتماعي. ومن الممكن إنجاز تحويلات البيتكوين في كنف السرية، دون الحاجة إلى الوسطاء أو المعلومات الشخصية.
كما هو موضح في الورقة البيضاء التي صدرت سنة 2009 لتوضيح طريقة عمل البيتكوين، فإنه باستطاعة العامة أن يروا كيف يمكن لشخصٍ ما إرسال مبلغٍ من المال إلى شخصٍ آخر دون رؤية المعلومات المتعلقة بكليهما.
وبالنسبة للمدافعين عن البيتكوين في كافة أنحاء العالم، فإن هذه القدرة على تحويل المال بشكلٍ سريٍ، هي جزءٌ من الميزات التي تجعل البيتكوين عملةً مميزةً، نظرا لقدرتها على تشكيل تهديدٍ جديٍ للنظام المالي العالمي القائم في الوقت الحالي.
لقد أدت هذه الحماية النسبية لخصوصية المتعاملين بالبيتكوين، بشكلٍ طبيعيٍ، لإثارة قلق الحكومات حول العالم، وخاصة المؤسسات الأمنية والقانونية. فقد بات من الصعب عليها تعقب هذا المال، خاصة في حال وصوله إلى أيدي المجرمين، لأن هذه العملة مصممةٌ خصيصًا ليصعب تعقبها.
في رسالةٍ يعود تاريخها إلى نوفمبر/ تشرين الثاني 2013 موجهةٍ إلى الكونغرس، قال أحد المسؤولين في وزارة الأمن الداخلي إنه “في ظل انتشار العملات الرقمية وسهولة إجراء التحويلات المالية واستخدامها من قبل المنظمات الإجرامية، تقر وزارة الأمن الداخلي بالحاجة لوضع استراتيجيةٍ حازمةٍ لمواجهة هذه الظاهرة”.
في محادثةٍ هاتفيةٍ مع فريق “ذي إنترسيبت“، ذكر الأستاذ ماثيو غرين، أنه يعتقد أن برمجية تصفح الإنترنت التي أطلقت ضمن برنامج “مانكي روكت” للتجسس، تبدو مثل الشبكة الافتراضية الخاصة (VPN)، التي تقوم بتشفير وإعادة توجيه تدفق الإنترنت لإخفاء ما يقوم به المستخدمون على الشبكة.
لكن المهم حيال هذا الشأن هو أن يثق المستخدم في هذه الشركة التي تستخدم برمجية “في بي إن”، التي تمكنها من الاطلاع على كل نشاطات المستخدمين على شبكة الإنترنت. وهذا يعني أن إطلاق “في بي إن”، يهدف إلى تمكين أصحاب هذه البرمجية من الاطلاع بشكلٍ كاملٍ على كل أسرار المستخدم.
استهداف الوكالة للعملات الرقمية
وتجدر الإشارة إلى أن الأستاذ والمدير المساعد في مبادرة العملات الرقمية والعقود في جامعة كورنيل، أمين غون سيرر، ذكر في اتصال مع “ذي إنترسيبت” أن “سرية معلومات التحويلات المالية هو أمر في غاية الأهمية بالنسبة لمجتمع البيتكوين. ومن الطبيعي أن الأشخاص الذين يتمتعون بوعي بمسألة حماية الخصوصية سينتقلون نحو العملات التي تحمي خصوصيتهم، بعد أن يكتشفوا ما قامت به وكالة الأمن القومي في هذا الملف”.
وأضاف سيرر أنه “على الرغم من السمعة الطيبة التي حازتها البيتكوين من ناحية حماية الخصوصية، إلا أن دخول وكالة الأمن القومي إلى هذا الملف واستهدافها لسرية البيانات، تجعلني أخفض من سقف انتظاراتي فيما يتعلق بحماية الخصوصية داخل هذه الشبكة”.
وقد عبر ماثيو غرين عن الموقف ذاته، حيث قال هذا الأستاذ الذي ساهم في إنشاء عملة “زي كاش” الرقمية، كعملة منافسة للبيتكوين وموجهة نحو حماية الخصوصية، إن “أساليب وكالة الأمن القومي تجعل من ميزات حماية الخصوصية التي تتمتع بها عملات مثل الإيثريوم والريبل تفقد قيمتها تماما في نظر المستخدمين”.
وأضاف غرين أن “استهداف الوكالة للعملات الرقمية هو خبر سيء للمدافعين عن الخصوصية، لأنه يعني أن المستخدمين، إلى جانب مواجهة مشكلة حماية سرية التحويلات المالية، سيكون عليهم أيضا التثبت من سلامة وأمن شبكة الإنترنت التي يستخدمونها”.
وعبّر غرين أيضا عن عدم تفاؤله بأن استخدام متصفح الإنترنت السري “تور” يمكن أن يعرقل مساعي وكالة الأمن القومي على المدى البعيد. وبعبارة أخرى، حتى وإن وثق المستخدم في تكنولوجيا البيتكوين أو أي عملة رقمية أخرى، فسيكون عليه التثبت من وصلة الإنترنت. وإذا كان هذا المستخدم مستهدفا من قبل وكالة الأمن القومي الأمريكية، فقد يكون التثبت من هذه المسألة صعبا جدا.
وتشير وثائق وكالة الأمن القومي إلى أن برنامج “مانكي روكيت” للتجسس، يعمل من خلال التنصت على كابلات الألياف الضوئية الموجودة في بلدان أجنبية لم يتم ذكرها. ومن ثم، يتم إرسال البيانات التي يتم الحصول عليها نحو المركز التقني الأوروبي للوكالة، الموجود في مدينة فيسبادن الألمانية. ولكن، رغم ذلك كانت اللقاءات مع الشركات المتواطئة في عمليات الاختراق والتجسس تتم في ولاية فرجينيا.
تجارة المخدرات وتبييض الأموال
ولطالما كانت منطقة شمال فيرجينيا على امتداد عقود طويلة مركزا لالتقاء مختلف أجهزة الأمن القومي الأمريكية مع عمالقة الإنترنت، مثل شركات الاتصالات، ومزودي خدمة الإنترنت. كما أن وكالات التجسس تعتبر هذه المنطقة معقلا لها.
وربما تكون البيتكوين هي الهدف الرئيسي من بين العملات الرقمية، إلا أنها لم تكن الوحيدة، إذ أن تقريرا لوكالة الأمن القومي بتاريخ 15 آذار/مارس سنة 2013، قدم أيضا تفاصيل حول سير برنامج التجسس “مانكي روكيت”، وأشار إلى أن الجواسيس الأمريكيين كانوا أيضا يعملون على اختراق العملة الرقمية “ليبرتي ريزيرف”، التي تحظى بسمعة سيئة جدا لدى الحكومة الأمريكية.
وعلى خلاف البيتكوين، التي أُستخدمت أحيانا وبشكل عرضي لتسهيل تجارة المخدرات وتبييض الأموال، كانت عملة “ليبرتي ريزيرف” مصممة خصيصا لأغراض إجرامية. وعلى الرغم من أن هذه العملة تم إنشاؤها وإدارتها من كوستاريكا، بيد أنها واجهت اتهامات بوضع مخطط لتبييض أموال بقيمة ستة مليار دولار، في قضية عملت عليها بشكل مشترك كل من وزارة العدل الأمريكية، ووزارة الأمن الداخلي، ودائرة الإيرادات الداخلية، وهو ما أفضى إلى إصدار حكم على الأوكراني المؤسس لهذه العملة بقضاء عشرين سنة في السجن.
وبداية من مارس/ آذار 2013، أي قبل شهرين فقط من الإطاحة بعملة “ليبرتي ريزيرف”، كانت وكالة الأمن القومي قد صنفتها على أنها الهدف الثاني لها، بعد عملة البيتكوين. مع ذلك، لم يتضمن نص اتهام “ليبرتي ريزيرف” وأطوار الملاحقة القضائية التي تعرضت لها، إشارة إلى أي دور قامت به وكالة الأمن القومي.
وبعد خمسة أشهر فقط من الإطاحة بهذه العملة، وجهت الشرطة الفيدرالية أنظارها نحو روس أولبريخت، الذي ثبُت لاحقا أنه العقل المدبر وراء إنشاء موقع “طريق الحرير” على “الإنترنت المظلم”، المتخصص في تجارة المخدرات، والذي تتم فيه التحويلات المالية عبر البيتكوين، مع اقتطاع عمولة تذهب لصاحب الموقع.
وبحسب التقارير، كان أولبريخت يمتلك رصيدا من البيتكوين بقيمة 28.5 مليون دولار وقت اعتقاله. وقد فشل هذا المتهم في الدفاع عن نفسه، لأنه أصر أمام المحكمة على التشكيك في قدرة مكتب التحقيقات الفيدرالي على كشف نشاطه السري بمفرده، متوقعا أن الحكومة عندما تتوصل إلى كشف دور وكالة الأمن القومي في الإطاحة بموقع “طريق الحرير” فستعتبر أن هناك خللا في الإجراءات. في المقابل، استبعدت المحكمة هذه النظرية رغم المؤشرات القوية على صحتها.
وقد جاء في قرار المحكمة أنه “بعد فشله في دحض الاتهامات التي وجهتها له الحكومة، انتقل أولبريخت إلى مناورة أخرى، تهدف لإسقاط كل الأدلة التي جمعتها الحكومة، مستندا إلى أن عملية جمعها شابتها خروقات للتعديل الرابع في الدستور (المتعلق بحماية خصوصية وبيانات الأفراد)”.
ولم يقدم أولبريخت أي دليل على ارتكاب الحكومة لأخطاء. وعوضا عن ذلك، ظل يتمسك بإثارة فزاعة تورط وكالة الأمن القومي، دون إعطاء دليل يثبت أن الوكالة كانت مسؤولة عن تحديد مواقع الخوادم التي كانت تشغل موقع “طريق الحرير” على الإنترنت المظلم، بطريقة يعتبرها هو “انتهاكا للتعديل الرابع”.
ورغم أن الوثائق التي قام بتسريبها إدوارد سنودن لا تتطرق إلى مساعدة وكالة الأمن القومي لمكتب التحقيقات الفيدرالي في قضية طريق الحرير، إلا أنها تكشف عن مساعي الوكالة لكشف هويات مستخدمي البيتكوين، قبل 6 أشهر من اعتقال أولبريخت، فضلا عن عملها على مراقبة عملة “ليبرتي ريزيرف” في الوقت ذاته.
ويتمثل مصدر التجسس على عملتي البيتكوين ولبيبرتي ريزيرف في برنامج “مانكي روكيت”، الذي تديره هيئة مراقبة موجودة خارج الولايات المتحدة، يشار إليها باسم “الأمر التنفيذي 12333″، وهو القرار الذي وقّع عليه رونالد ريغن في سنة 1981. ويمنح هذا القرار وكالات الأمن الأمريكية صلاحيات استخدام المعلومات الاستخباراتية عند التحقيق بخصوص مواطنين أمريكيين.
عمليات تجسس غير مقبولة
ولفترة طويلة، كان المدافعون عن الحريات المدنية، والباحثون في شؤون الأمن، يعبرون عن قلقهم من وجود عمليات تجسس غير مقبولة، تقوم بها الوكالة لجمع أدلة وتوجيه اتهامات ضد مواطنين أمريكيين، بطريقة تعرف بالبناء الموازي، أي تحديد الأدلة بطرق غير مقبولة قانونيا، ثم التظاهر بالتوصل إليها بشكل قانوني لكي لا يتم إسقاطها خلال المحاكمة.
وقد توصل تحقيق استقصائي سابق أجراه موقع ذي إنترسيبت حول سجلات المحاكم ووثائق كشفها سنودن، إلى وجود أدلة حول استخدام وكالة الأمن القومي لأساليب مراقبة مثيرة للجدل، تتضمن الاطلاع على كميات كبيرة من محتوى البريد الإلكتروني وكابلات الألياف الضوئية، دون إذن قضائي. وربما يكون قد تم استخدام هذه المعلومات في المحاكمات، ولكن بعد التمويه بطريقة البناء الموازي.
وقد اعتبر باتريك تومي، المحامي المنتمي إلى الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية، أن وثائق تجسس وكالة الأمن القومي على مستخدمي البيتكوين، تسلط الضوء على جانب خطير من ممارسات المؤسسات القانونية الأمريكية.
كما قال تومي إنه “إذا كانت التحقيقات الجنائية الحكومية قد اعتمدت بشكل سري على أنشطة تجسس وكالة الأمن القومي، فإن هذا الأمر خطير جدا. إذ أن الأفراد الذين يواجهون محاكمات لديهم الحق في كيفية حصول الحكومة على أدلة تدينهم، حتى يمكنهم الرد عليها أو التشكيك في قانونية طرق الوصول إليها. ويعد هذا من المبادئ الأساسية للمحاكمة العادلة، ولا يجب أن تخفي الحكومة المصدر الحقيقي لأدلتها في المحكمة، وذلك عبر اختلاق مسار ثان للتحقيق”.
ورغم أن الوثيقة المسربة من وكالة الأمن القومي، حول برنامج التجسس “مانكي روكيت”، كشفت عن أن الهدف الرئيسي من البرنامج يتمثل في مكافحة الإرهاب، إلا أنه تضمن أيضا إشارات إلى وجود مستخدمين آخرين مستهدفين، تحددهم مكاتب وكالة الأمن القومي، على غرار المكتب الدولي لمكافحة المخدرات وإنفاذ القانون (INL)، وقضايا شبهات الفساد المتعلقة بإيران.
وقد نوّهت مذكرة للوكالة في الثامن من مارس/ آذار سنة 2013 إلى أن موظفيها يأملون في استخدام برنامج “مانكي روكيت” في مهامهم المتعلقة بالبحث عن الجريمة المنظمة والأهداف السيبريّة، التي تستخدم العملات الرقمية لنقل وتبييض الأموال. ولكن، لم تُشر المذكرة بالتفصيل إلى هذه الأهداف.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.