في وقت سابق من هذا الأسبوع، نسجت شركة غوغل على منوال محرك البحث الصيني بايدو (Baidu)، وقررت حظر كل أنواع الدعاية لعمليات الطرح الأولي للعملات الرقمية، التي كانت تحظى باهتمام كبير في الفترة الماضية. ويأتي هذا الاهتمام بعد النجاح الذي حققته هذه الشركات الناشئة، التي باتت تظهر من العدم وتبتكر عملة رقمية مثل البيتكوين، لتعمل على بيع هذه العملات للمستخدمين مقابل أموال حقيقية، يتلقاها أصحاب هذه الشركات لتحقيق الثراء السريع.

من جانبه، أوضح نعيم أسلم، كبير محللي السوق في مؤسسة “ثينك ماركتس” في لندن، لمجلة فوربس، قائلا: “أعتقد أنه خلال الأيام القادمة، ستواجه عمليات الطرح الأولي للعملة صعوبة في الوصول للأفراد والتغلغل في الأسواق، وتحقيق النجاح الذي بلغته في السابق. ولذلك، سيتوجب على المستشارين ووكلاء العلاقات العامة إيجاد طريقة جديدة لجذب اهتمام المستثمرين، إذا كانوا يرغبون في تحقيق النجاح ذاته مثل السابق”.

 

لماذا أقدمت غوغل على هذه الخطوة؟

وقد صرح الموظفون المشرفون على عمليات الطرح الأولي للعملة، أن غوغل، ومن خلال هذه الخطوة، تسعى لاستباق القوانين التي قد تفرضها هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية، لحماية المستثمرين في مجال العملات الرقمية.

وقد ذكرت إحدى الشركات التي تلعب دور منصة لعمليات الطرح الأولي، والتي فضلت عدم ذكر اسمها، أن المسؤولين في شركة غوغل أخبروها أنهم لا خيار أمامهم إلا حظر هذه الإعلانات، أو التعرض لضغوط وعقوبات من قبل المشرعين والمؤسسات القانونية في المستقبل القريب.

والجدير بالذكر أن بعض عمليات الطرح الأولي للعملة، تبين لاحقاً أنها كانت عمليات احتيال، أدت لتشويه سمعة هذا القطاع. نتيجة لذلك، يتوقع المهتمون بمجال العملات الرقمية، أن هذه الضغوط التي سلطتها بعض المواقع مثل بايدو، وويبو، وفايسبوك، وغوغل إلى جانب محرك البحث الروسي “ياندكس”، ستؤدي لإعادة تهيئة هذا القطاع وفرز الجادين من المتحيلين.

ويقدر محللون مهتمون بهذا النشاط أن غوغل جنت أرباحا تبلغ حوالي 25 مليون دولار سنوياً، في شكل عوائد تسويق لعمليات الطرح الأولي.

 

لن تحظر نتائج البحث

في هذا الشأن، أورد آنتي دانيلفسكي، مالك موقع “كيكيكو” للتمويل الجماعي لعمليات الطرح الأولي للعملات الرقمية، وتقديم الخدمات للشركات المهتمة بهذا المجال، أنه “سيتم حظر عرض الإعلانات، ولكن في نتائج محركات البحث لن تكون محظورة، وهو ما سيؤدي لتعزيز دور هذه المحركات وتطويرها لتلعب دورا أكبر في هذه التجارة”. كما أكد دانيلفسكي أن الشركات التي تتعامل معه لم تصب بالصدمة بسبب هذا القرار، حيث أنها متفائلة وترى أن هذا المنع سيحد من عمليات الاحتيال، ويعزز نشاط هذا القطاع.

بعبارة أخرى، لا يعني الحظر الذي فرضه محرك البحث غوغل نهاية عمليات الطرح الأولي الجادة والحقيقية، أو على الأقل خلال هذه السنة. أما بالنسبة لعمليات الطرح التي لا تعدو أن تكون مجرد احتيال وبيع وهمي، فربما ستختفي.

تسببت الشركات التي تقوم بعمليات الطرح الأولي للعملة بدورها بضرر لنفسها، فإلى جانب كل عشر قصص نجاح لأفراد شاركوا في عمليات طرح أولي وباتوا من أصحاب الملايين، هناك أيضا قصة تعرض مستثمراً متحيلاً، التي تطغى على صورة هذا القطاع وتحجب قصص النجاح.

تدفع هذه التجارب المريرة المشرعين والمؤسسات المالية إلى فرض رقابة صارمة على هذا القطاع، حيث تكون عمليات الطرح الأولي الوهمية متقنة، ويصعب على المستثمرين التفريق بين الحقيقة والزائفة في هذا القطاع الجديد والمجهول لدى أغلبهم. ففي الغالب، لا يعلم المستثمر حقيقة ما إذا كانت قيمة وحدات العملة الرقمية التي اشتراها سترتفع بعد أيام أم ستنخفض إلى الصفر.

تواجه شركة “تيزوس” الناشئة للبلوكتشين، التي يقع مقرها في كاليفورنيا، دعوى قضائية في الوقت الحالي، ومطالبات بدفع تعويضات بملايين الدولارات، لمستثمرين شاركوا في عملية الطرح الأولي للعملة وخسروا أموالهم. وتدعي الشركة الآن أنها أخبرت هؤلاء المستثمرين بأنهم بصدد تقديم تبرع وليس استثمارا. وبغض النظر عن مآل هذه الدعوى القضائية، إلا أن العملة الخاصة بهذه الشركة لا تزال متداولة في السوق، وتبلغ قيمتها الحالية ثلاثة دولارات، بعد أن كانت 4.53 دولار في بداية السنة، حسب البيانات التي يصدرها موقع “كوين ماركت كاب“.

يعتبر سوق الطرح الأولي للعملات، والعملات الرقمية التي ينتجها، بمثابة مجال للمقامرة أكثر من كونه إطارا للاستثمار في سندات آمنة. ويمكن مقارنتها بتجارة الأسهم الرخيصة، التي ترتفع أسعارها وتنخفض بشكل سريع، ولا توجد قوانين لحماية من يستثمرون فيها، في حال تعرضهم للاحتيال.

 

وهذه بعض الأمثلة التي جدت مؤخراً

في سبتمبر/ أيلول الماضي، وجهت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية تهما، إلى ماكسيم زاسلافسكي، المستثمر في الشركات الناشئة، متعلقة ببيع سندات غير مسجلة. فقد أخبر المستثمرون الذين وضعوا أموالهم في صندوق ريكوين وشركة “دي آر سي”، في البداية بأنهم سيحصلون على عوائد ضخمة من عمليات هاتين الشركتين، ولكن في الواقع لم تقم أي منهما بأي عمليات أصلا.

وفي ديسمبر/ كانون الأول، تقدمت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية أيضا بدعوى قضائية أخرى ضد رجل أعمال كندي يدعى دومينيك لوروا، وشركته “بلاكس كوربس”، بعد أن قامت بتسويق وبيع عملة بلاكس كوين عبر الإنترنت إلى مستثمرين في الولايات المتحدة، مدعية أن هذه الاستثمارات في العملة الرقمية الجديدة ستضمن ربحا بنسبة 1354% خلال شهر واحد.

وتعد هذه الشركات الأولى التي تستهدفها وحدة الجرائم الإلكترونية الجديدة في هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية، التي تمثل وحدة تحقيق تم إنشاؤها في سبتمبر/ أيلول لملاحقة الاستثمارات غير القانونية في البلوكتشين وعمليات الطرح الأولي، وأوجه أخرى للاحتيال الرقمي. وعلى غرار توزيس، لا تزال عملة بلاكس كوين أيضا متداولة في السوق، ولكن قيمتها انخفضت الآن إلى بنس واحد.

تسمح الأنظمة القانونية الحالية للشركات الناشئة باستهداف مستثمرين غير مسجلين، سرعان ما يقعون في الفخ معتقدين أنهم عثروا على منجم ذهب. في المقابل، لا يسمح لصناديق التحوط، على سبيل المثال، بإيصال دعايتها إلى المستثمرين في قطاع التجزئة. أما عمليات الطرح الأولي للعملة، التي تتسم بالخطورة الشديدة، فمسموح بالترويج لها في محرك البحث غوغل منذ أكثر من سنة.

وصرح نيل باتيل، أحد المستثمرين في الدعاية الرقمية في كاليفورنيا، ومؤسس لشركة تدعى “البيضة المجنونة”، أن “حالة السوق الآن سيئة جدا، يجب أن يتعلم المشرفون على عمليات الطرح الأولي للعملة كيفية تقديم إضافة حقيقية، وبناء منتج جيد، عوضا عن اختلاق الضجة والنجاح المصطنع. لا يجب عليهم استهداف المستثمرين غير المسجلين، وبكل صراحة، لا يجب عليهم أيضا الترويج لجمع العملات. والآن، ظهرت قوانين جديدة للتخلص من الكثير من الجهات المُتحيلة في هذا القطاع، وهذه ليست إلا البداية”.

وتعتقد الشركات التي تستعد للطرح الأولي لعملاتها الرقمية، وترغب في الترويج لهذه العملية، أن هذا القطاع سيشهد ظهور خدمات جديدة موجهة خصيصا للترويج لهذه العمليات. وبالتالي، ستنتعش هذه الخدمات الخاصة وتبدأ من حيث توقفت محركات البحث غوغل وبايدو، التي قررت حظر هذا النوع من الدعاية.

ويشار إلى أن حوالي 90% من الزيارات لمواقع هذه الشركات الناشئة، تحدث انطلاقا من أكبر محركات البحث الموجودة على الشبكة. في هذا الشأن، أفاد آنار باباييف، الشريك المؤسس في منصة “إيكوبوكس”، المنافسة لمنصة “كيكيكو”، أنه “على الرغم من هذه الحلول والبدائل، يعد قرار غوغل بحظر الدعاية لعمليات الطرح الأولي للعملات الرقمية ضربة موجعة لهذا القطاع”.

وعلى مدى الأشهر الماضية، شدد المستثمرون في العملات الرقمية على أنهم أصبحوا أكثر حذرا ووعيا، عند اختيارهم للعملات والشركات الناشئة التي يضعون فيها استثماراتهم. وتشهد صناديق الاستثمار سيلا كبيرا من عروض شراء العملات الرقمية الجديدة، كما أن الاستثمار في هذه السوق بات اختصاصا في حد ذاته، ويعتبره كثيرون فرعا من الأسواق التقليدية لاستثمار رؤوس الأموال.

وبين دانيلفسكي، الذي تقوم شركته “كيكيكو” بالتثبت من جدية الشركات الناشئة قبل الترويج لعملاتها على هذه المنصة، أن “المستثمرين تعبوا من تهاطل العروض التي تقدم لهم من طرف مشاريع جديدة ليس لديها أي أمل في النجاح”.

ويقصد صغار المستثمرين مواقع مثل “كيكيكو” من أجل مشاهدة قائمة الشركات الجديدة قبل أن تقوم بالطرح الأولي لعملاتها، على أمل الاستعداد المسبق والاستفادة من انخفاض الأسعار في البداية. وتمنح هذه المنصة المستثمرين صورة واضحة حول المشاريع التي تجذب الأموال فعلا، وتلك التي ليست بصدد تحقيق النجاح. وأردف دانيلفسكي أن من 40 إلى 60 بالمائة من الذين يزورون لأول مرة شركات الطرح الأولي للعملات، يأتون من حسابات غوغل.

وأضاف دانيلفسكي متحدثا عن أسواق الدعاية الرقمية، أنه “يمكنك بسهولة أن تفترض أن كبرى الشركات في مجال عمليات الطرح الأولي، تنفق بين 200 إلى 250 ألف دولار في مجال الدعاية على غوغل. لقد كان هذا المحرك الخيار رقم واحد بالنسبة لهم بعد أن قرر فيسبوك الانسحاب من هذا القطاع”.

والآن، ماذا سيحدث في هذا القطاع؟ في الواقع لا أحد يملك الإجابة، إلا أن كبرى الشركات الناشئة في هذا المجال، التي تسعى لجذب مستثمرين جدد وإقناعهم بالدخول إلى هذه السوق، تؤكد أن هذه القرارات ستعود عليها في النهاية بفوائد غير متوقعة، لأنها ستسمح لها بالترويج لنفسها على اعتبارها مستودعات مالية، أو حاضنات افتراضية، لأفضل الشركات التي تتداول العملة الرقمية.

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.