ربما من الصعب أن يضيع المرء بكل بساطةٍ مبلغ 800 مليون دولارٍ، ولكن هذا بالضبط ما فعلته وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون” مؤخرًا. لقد فقدت وكالة الدفاع اللوجستية، التي تشرف على مشاريع بناء المواقع العسكرية، أثر مبلغٍ ضخمٍ يكفي لملء شاحنتين بالأوراق النقدية من فئة عشرين دولارًا، وذلك بعد عملية تدقيقٍ داخليةٍ تم تسريب فحواها في شباط/ فبراير.

وأشار تقرير لموقع “ياهو” الأميركي، أن لجنة وكالة الدفاع اللوجستية ليست هي الوكالة الفيدرالية الوحيدة التي تواجه هذا النوع من المشاكل فيما يتعلق بسجلاتها وإدارتها للميزانية. ففي دراسة أجراها مؤخرا موقع “USAspending.gov”، وهو موقع فيدرالي تم إنشاؤه لزيادة الشفافية في الإنفاق الحكومي، تبين أن 302 برنامجًا فيدراليًا قد فشلت في تحديد مصير 619 مليار دولارٍ من المصاريف المرصودة.

ويمكن للبلوكتشين أن تحل هذه المشاكل في المحاسبة، وتقدم درجةً غير مسبوقةٍ من الدقة والأمان، وتسرع أيضا من عملية حفظ سجلات الوكالات الفيدرالية. ومن خلال الاعتماد على هذه التكنولوجيا، يمكن للحكومة تلافي نقاط الضعف في التسلسل الإداري، وتوفير مليارات الدولارات الضائعة.

 

الوكالات الحكومية الأمريكية

حالياً، يعمل في مكاتب الحكومة الفيدرالية الأمريكية مليونا موظفٍ مدنيٍ، منتشرون في أكثر من 430 وكالةً ووكالةً فرعيةً وإدارةً، التي تشرف على إبرام الصفقات وإنجاز المشاريع بالتعاون مع الآلاف من الشركات والمزودين. ومن الطبيعي أن تواجه أي مؤسسةٍ إداريةٍ بهذا الحجم صعوبةً في مشاركة المعلومات، وإنجاز عمليات التحويل والمعاملات العابرة للوكالات، في وقت قصيرٍ وبشكل دقيقٍ.

وحتى داخل أروقة الوكالة الواحدة، عادة ما تُغمر البيانات داخل أطنانٍ من الملفات وقواعد البيانات، وتُخزن بأشكالٍ معقدةٍ ومختلفةٍ، ما يجعل من المستحيل على الموظفين الحصول على نظرةٍ شاملةٍ ودقيقةٍ لعمليات الإنفاق والإدارة المالية.

كما تجعل هذه الطريقة العشوائية والقديمة في تخزين المعلومات المؤسسات الحكومية عرضةً للاختراقات الأمنية. ففي سنة 2015، تمكن قراصنة الإنترنت من سرقة معلوماتٍ حساسةٍ تتعلق بأربعة ملايين من الموظفين الحاليين والسابقين من إدارة الموارد البشرية. وفي وقت سابق من العام الجاري، كشفت وكالة الأمن الداخلي عن وقوع حادثٍ مشابهٍ، أدى لتسريب بياناتٍ خاصةٍ بحوالي 250 ألف موظفٍ من الوكالة.

وفي ظل هذا الوضع، يمكن أن تساعد البلوكتشين الحكومة على جمع وتخزين ومعالجة واستغلال كمياتٍ هائلةٍ من المعلومات، مع خفض المصاريف وزيادة الشفافية.

عمومًا، تعرف البلوكتشين بأنها التكنولوجيا التي تقوم عليها العملات الرقمية مثل البيتكوين وإيثريوم، إلا أن تطبيقات هذه التكنولوجيا تتجاوز هذا النطاق. وتعتبر البلوكتشين أساسًا أداةً لتسجيل التحويلات، سواء كانت معاملات مالية أو عقودًا أو أوامر أو حتى أصوات الناخبين، وتمكن من تخزين هذه المعلومات بشكلٍ آمنٍ على آلاف الحواسيب، بالاعتماد على دفتر سجلات مشتركٍ وقاعدة بياناتٍ واسعة.

وعلى الرغم من أن أغلب شبكات البلوكشين مفتوحةٌ للعموم، إلا أن العديد من المؤسسات، مثل تلك الناشطة في القطاع البنكي، تعتمد على شبكات البلوكشين خاصة من أجل جعل عملياتها تتم بطريقة أوتوماتيكية.

 

من المستحيل اختراقها

قد يبدو دفتر السجلات الذي تقوم عليه هذه التكنولوجيا، مثيرًا للقلق بالنسبة للبعض، لكن دعونا نفكر فيه مثل جدول بيانات “إكسل” عملاقٍ، يشاهده آلاف الأشخاص على حواسيبهم في نفس الوقت. ويمكن لمختلف الأشخاص توثيق التحويلات في خانةٍ أو كتلةٍ، ضمن هذا الجدول. وبعد فترةٍ محددةٍ من الزمن، يُغلق هذا الجدول أمام أي تغيير، ويفتح جدول جديدٌ يأتي بعده ضمن السلسلة، ويكون متاحًا للجميع.

وبما أن الجداول المغلقة تكون ظاهرةً للآلاف من الحواسيب، فإنه من المستحيل تقريبا اختراق هذه البلوكشين. وبذلك، فإن إدخال تغييرٍ على هذه السلسلة في بضعة حواسيبٍ لن يؤثر على بقية الأجهزة، التي تحافظ على سجلٍ صحيحٍ للتحويلات.

كما تمكن دفاتر حفظ البيانات في البلوكتشين من إنشاء العقود الذكية، التي يمكنها بشكلٍ آليٍ معالجة التحويلات والبيانات من الطرف الأول إلى الطرف الثاني، بعد أن تُظهر السجلات المغلقة أن الطرف الثاني أنهى تأدية خدمةٍ للطرف الأول. وستقوم البلوكشين بحفظ سجلٍ شفافٍ يتضمن كل جوانب هذه العملية ومختلف تفاصيلها، ويكون قابلًا للتدقيق والتتبع.

إن هذا الجمع بين الأمان، والسرعة وانخفاض التكاليف، يجعل من البلوكتشين حلًا مناسبًا جدًا لمعالجة المشاكل التي تواجهها مؤسسات القطاع العام في إدارة البيانات والأموال. وقد بدأت العديد من الحكومات حول العالم بالفعل تقبل على تجربة حلول من البلوكتشين.

فعلى سبيل المثال، إن حكومة السويد بصدد القيام بتجربة بالبلوكتشين لتسجيل عقود بيع وشراء الأراضي، دون الحاجة للوثائق والتوقيعات بخط اليد والعديد من المعاملات البشرية. وفي الوقت الحالي، تستعمل حكومة إستونيا تكنولوجيا البلوكشين المعروفة باسم “توقيع البنية التحتية دون مفتاح“، لحماية البيانات الحساسة من القطاع العام من عمليات السرقة والتلاعب. أما في الولايات المتحدة، هناك العديد من الطرق التي تمكن الوكالات الفيدرالية من الاستفادة من البلوكتشين.

يمكن لهذه الوكالات استخدام العقود الذكية لجعل التحويلات المالية مع المزودين والشركات أوتوماتيكيةً، إلى جانب إنشاء سجلٍ فوريٍ آمن وقابل للتدقيق، يتضمن كل هذه المعاملات والعمليات. كما يمكن لهذه الوكالات الاعتماد على العقود الذكية لتطوير واختبار واستخدام برمجيات جديدةٍ، إلى جانب إمكانية الاعتماد على البلوكتشين لفتح الباب أمام تطوير الذكاء الاصطناعي وتعليم الآلات.

تعكف العديد من المؤسسات الفيدرالية، من مراكز مراقبة الأمراض إلى وزارة الأمن الداخلي وخدمة البريد الأمريكي، على تقييم التطبيقات المحتملة لهذه التكنولوجيا. وفي فبراير/ شباط، عقد مجلس النواب جلسات استماعٍ حول إمكانيات نجاح البلوكتشين في تطوير عمل الوكالات الفيدرالية.

تحتاج الطريقة التي تعتمدها الحكومة حاليًا في معالجة البيانات وتخزينها وتأمينها، إلى المساعدة، وهو ما يثبته فقدان البنتاغون لمبلغٍ ضخمٍ يناهز 800 مليون دولارٍ. وإذا كانت الحكومة جادةً فعلًا في تلافي هذه النقائص والهفوات، وخفض العجز في الموازنة الحكومية، فيجب أن تعتمد على البلوكتشين.

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.