يمكن أن تسمح لنا التطبيقات التي ظهرت مؤخراً لتكنولوجيا البلوكتشين بتجاوز العديد من العوائق والإجراءات غير المرغوبة، والمزعجة أحياناً، في مجال شحن البضائع، بيع العقارات والمتاجرة بالمجوهرات. إذ أن دفتر حفظ المعلومات، معتمدًا على تكنولوجيا البلوكتشين، يمكنه متابعة خط سير 2.2 مليون قطعة ماس، وتعقب كل واحدة منها من لحظة استخراجها من المنجم إلى لحظة بيعها في محل مجوهرات لأحد الأثرياء.

ونشهد في الفترة الحالية ظهور سيل من العملات الرقمية، مثل البيتكوين، وجهوداً لجمع التمويلات من خلال عمليات الطرح الأولي للعملات. وقبالة أصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين المغامرين، هنالك اليوم عدد كبير جدا من المهووسين بالعملات الرقمية، والشركات الناشئة التي تظهر بين ليلة وضحاها للعمل في هذا المجال، وهو ما يجعل هذا السوق يبدو مثل نسخة القرن 21 من جنون أزهار التوليب، الذي شهدته العاصمة الهولندية أمستردام في القرن الـ 17.

كل هذا الهوس غطى على الجانب الإيجابي والنوايا الحسنة التي تكمن خلف تطوير تكنولوجيا البلوكتشين. إذ أنه من بين كل الابتكارات والتطبيقات المتعلقة بالتشفير، فإن البلوكتشين هي الأوفر حظا والأكثر قدرة على إحداث تغييرات ضخمة وضرورية نحتاجها في حياتنا اليومية.

تطبيقات هذه التكنولوجيا لا نجدها في منصات تبادل العملات، وهي لا تعد بتحويل أي شخص إلى مليونير بين عشية وضحاها، ولكنها في المقابل قد تقدم لنا التغيير المنتظر منذ وقت طويل، لعدد من القطاعات الاقتصادية الهامة التي تعاني من عوائق وعراقيل بيروقراطية مزعجة.

هذا قد يعني طرقاً جديدة لنقل ملكية العقارات، إدارة شحنات البضائع على متن سفن النقل، رسم خرائط لمواقع استخراج الثروات التي تمول الحروب الأهلية، ضمان سلامة الغذاء الذي نتناوله، والمزيد من الاستخدامات الأخرى. إذ أنه بالاعتماد على البلوكتشاين، يمكنك أن تثبت أن قطعة محددة من الماس التي تباع في متجر في مدينة ميلانو الإيطالية، جاءت من منجم محدد في روسيا.

 

البلوكتشين والتغيير الشامل

ما هي البلوكتشين؟ هي بالأساس قاعدة بيانات مؤمنة، أو دفتر حسابات، منتشر في عدد كبير من أجهزة الحواسيب. وكل واحد من أصحاب هذه الحواسيب لديه نفس سجل التحويلات المالية، ولذلك فإن قيام أحدهم بالتزوير أو التلاعب بالسجل هو أمر لا فائدة منه.

وتعتمد هذه التكنولوجيا على عملية التشفير، التي تضمن لكافة الأطراف التفاعل بشكل آمن، والمتاجرة بالأصول المالية على سبيل المثال، وفي نفس الوقت ضمان أن كل عملية تحويل مالية تحدث، يتم تسجيلها في البلوكتشين ولا يمكن بعد ذلك العودة إلى الوراء.

وتمتلك البلوكتشين القدرة على إحداث تغيير شامل في عدد من القطاعات الاقتصادية، وذلك لثلاثة أسباب: أولا، هذه التكنولوجيا مناسبة جدا للتحويلات التي تتطلب الثقة والحفظ في سجل دائم.

ثانياً، البلوكتشين تتطلب دائما التعاون بين مختلف الأطراف المتدخلة. وفي الحالات التي يتم فيها تطبيقها كبرمجية ذات مصدر مفتوح، فإنها تجنب المستخدمين مشكلة “التحرك الجماعي” (وهي عائق يمنع الأفراد من التحرك المنسق شيء يفيد المجموعة). وهو أمر يحدث عندما تسعى شركة واحدة للدفع نحو معايير جديدة للاستفادة منها.

السبب الثالث هو الضجيج والاهتمام المرافق للبلوكتشاين. إذ أن الحماس الحالي حول العملات الرقمية يقدم للبلوكتشين فرصة البروز وجذب المطورين وتشجيعهم. والشركات التي امتنعت في الماضي عن شراء برمجيات الحاسوب وخدمات الإنترنت الضرورية لتطوير عملها وقدراتها الاتصالية، فإنها ستكون هذه المرة مستعدة لصرف مبالغ ضخمة من أجل تحديث طرق عملها عندما تسمع الكلمة السحرية “بلوكتشين”.

بهذه الطريقة، فإن البلوكتشاين باتت واحدة من الكلمات المفتاحية لإقناع الناس، مثل الحوسبة السحابية. فرغم أن المتشائمين احتجوا في البداية بأن الحوسبة السحابية ليست أكثر من مجرد “الاعتماد على حاسوب شخص آخر”، فإن هذه التقنية منحت العديد من الشركات والقطاعات الاقتصادية فرصة تطوير نفسها، وإيجاد فرص جديدة لتقديم الخدمات وتحقيق الأرباح، وبعث شركات ناشئة، في بيئة اقتصادية تشجع التكنولوجيات الجديدة، ويبدو أن البلوكتشاين أيضا أمامها نفس فرص النجاح.

 

استخدام البلوكتشين في كل المجالات

فلنأخذ على سبيل المثال مجال الخدمات اللوجستية: يوجد حاليا 1.1 مليون غرض معروض للبيع أو تم بيعه في متاجر وولمارت، عبر البلوكتشاين، منها الدجاج وحليب اللوز، وتمكن هذه التكنولوجيا الشركة من تقفي أثر المنتوج في رحلته من المنتج إلى رفوف المتجر.

كما أن عملاق النقل البحري “ميرسك” يستخدم نفس هذه التكنولوجيا، المقدمة من شركة “آي بي أم”، لمراقبة تحرك حاويات البضائع، ما يمكن من تسريع وتسهيل نقلها وتمريرها عبر الموانئ.

ورغم أن هذه المشاريع لا تمثل الآن أكثر من جزء صغيراً من أنشطة ومهام هذه الشركات الكبرى، فإنها تشهد اتساعا سريعا في دورها داخل هذه الشركات وفي القطاعات الاقتصادية بشكل عام. فهنالك شركات أخرى أيضا تستخدم البلوكتشين لمتابعة حركة بضائعها، مثل كروغر، نستلي، تايسون للأغذية ويونيليفر، كما تقول بريدجيت فان كرالينجر، نائبة رئيس المنصات والبلوكتشاين في “آي بي أم” أن هنالك شركات أخرى كثيرة ستعلن عن تبنيها لهذه الفكرة مستقبلاً.

كما أن شركة “إيفرليدجر”، التي أنشأت في أبريل/ نيسان 2014 بهدف إنشاء دفتر حفظ بيانات بتكنولوجيا البلوكتشاين، لكل قطعة ماس مسجلة في العالم، لديها اليوم 2.2 مليون ماسة في سجلاتها. وهي تضيف 100 ألف قطعة أخرى كل شهر، بحسب ما أعلنته ليان كامب، المديرة التنفيذية ومؤسسة الشركة.

وعبر تسجيل 40 ميزة مختلفة لكل قطعة ماس، من بينها الخصائص الفيزيائية التي لا يمكن تقليدها، فإن شركة “إيفرليدجر” قادرة على تعقب رحلة القطعة منذ إخراجها من باطن الأرض إلى يوم شرائها من قبل أحد الزبائن. وكل مشارك في هذه السلسلة، من عمال المناجم إلى فني تصميم المجوهرات وباعة التجزئة، لديه نسخة كاملة من سجل بيانات سجل الأحجار التي تخصه، ضمن سلسلة بلوكتشين الشركة.

كما أن شركة ميرسك المعروفة في عالم الشحن البحري، تستخدم تكنولوجيا البلوكتشاين من شركة “آي بي أم”، لمتابعة وإرسال حاويات الشحن البحري، ونقلها بشكل سريع من مكان إلى آخر.

وتقوم شركة “كارتا سانس”، التي أنشأت قبل ثمانية أعوام في تل أبيب، بوضع مجسات مربوطة بالإنترنت على كل لوح لتحميل البضائع على متن السفن، وتستخدم عمليات تحليل بيانات لمعرفة احتمالات تعرض البضائع للتأخير أو التلف أثناء إيصالها.

كما أن زبائن شركة “كارتا سانس”، عوضا عن تقديم وثائق إتمام الإجراءات القانونية لنقل بضائعهم، يستخدمون قاعدة بيانات بلوكتشين التي يمكن لشركات النقل البحري الأخرى تسجيل كل مرحلة من مراحل الرحلة عليها، مع التنصيص على نوع الحمولة ورقم لوح التحميل أو الحاوية. ومن أبرز زبائن هذه الشركة، هنالك “كوهني أند ناجل” السويسرية، وهي من أكبر شركات النقل البحري في العالم.

 

تعويض الإجراءات بالشفرات

يتم الآن تطبيق تكنولوجيا البلوكتشين على الشركات والحكومات المركزية التي تمتلك قدرة أكبر على التغيير السريع وتبني التكنولوجيا الجديدة.

وعلى سبيل المثال، فإن حكومة دبي أعلنت اعتزامها التحول إلى أول حكومة بلوكتشين في العالم بحلول العام 2020. وهذا يمكن أن يسهل الكثير من الأعمال في قطاع العقارات، بحسب ستيفن ماكيون، أستاذ المالية في جامعة أوريغون، وأحد الباحثين في مجال البلوكتشين.

فمن خلال نقل كل السجلات المركزية لملكية العقارات وعمليات المتاجرة بها نحو البلوكتشين، يمكن لدبي تسريع وتسهيل عمليات نقل الملكية في المستقبل.

وبما أن هذه العقود الذكية التي تتم في البلوكتشين هي مجرد شفرات، فإنها يمكن أن تتضمن أيضا قواعد حول كيفية تغييرها مستقبلا أو نقلها. وبهذه الطريقة، فإن البلوكتشاين قد تصبح وسيلة لنقل مسؤولية تطبيق القانون من مكاتب البيروقراطية نحو أجهزة الحاسوب نفسها.

وعلى سبيل المثال، فإنه لمنع عمليات الاحتيال، يمكن جعل شهادات الملكية قابلة للنقل فقط نحو حسابات محددة، أو ربط نقلها بالاستجابة لشروط معينة، مثل دفع المال لطرف ثالث يلعب دور الضامن.

ولا يزال الوقت مبكرا للجزم بأن البلوكتشين، كتكنولوجيا وكتوجه عام، لديها القدرة على تجاوز بعض العراقيل التي واجهتها أجيال كاملة من مهندسي البرمجيات. وهنالك الكثير من المشككين الذين يرون أن البلوكتشاين ليست ثورة بأتم معنى الكلمة، بقدر ما هي تغيير تدريجي.

ففي بعض الحالات، لا تعدو هذه التكنولوجيا أن تكون عبارة تستخدم للترويج، تطلق على أنظمة لا تختلف كثيرا عن الموجودة مسبقا. (هنالك الآن نقاش صحي حول ماهية البلوكتشين، والعديد من الشركات مثل “كارتا سانس” تشبه نظام عملها بالبلوكتشين).

ولكن إذا نجح الأمر، فإن البلوكتشاين لديها القدرة على تحقيق إنجازات كبيرة، تماما مثلما حدث إثر إرساء معايير جديدة لنقل البيانات أدت لظهور الإنترنت. وبشكل أوضح، فإنه يمكن في يوم من الأيام أن تدخل البلوكتشاين في كل مناحي الحياة، من طريقة تصويتنا في الانتخابات إلى طريقة تواصلنا فيما بيننا، وشرائنا احتياجاتنا.

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.