خلال الأشهر الماضية، ارتبطت بعملة البيتكوين سمعةٌ سيئة، متعلقة بضلوعها في عمليات تبييض الأموال العابرة للحدود، والتحيل على الإجراءات الأمنية والمستثمرين، وتعقيد مهمة مؤسسات الرقابة المالية، وكل ذلك بسبب طبيعة توزيعها. ولكن، يبدو أن هناك ثريّاً من مالكي البيتكوين، مصمم على إصلاح بعض ما لحق بسمعة هذه العملة من تشويه، عبر فعل الخير باستخدام هذه العملة الرقمية.
تبرع سخي
ففي ديسمبر/ كانون الأول 2017، وعندما وصلت قيمة البيتكوين إلى مستوى قياسي غير مسبوق بلغ 20 ألف دولار، قرر أحد المالكين المجهولين لهذه العملة، التبرع بحوالي 5057 عملة بيتكوين، أي ما قيمته 56 مليون دولار في ذلك الوقت، لفائدة العمل الخيري. وقد أعلن هذا المتبرع، أو المتبرعة، عن هذا المشروع الكبير، المُسمّى “باينابل فاند”، أو مؤسسة الأناناس، عبر موقع ريدت، وأنشأ موقع إنترنت بسيط وشرع في قبول طلبات التبرع.
وقد كانت نوايا هذا المؤسس، الذي يطلق على نفسه الاسم المستعار “باين”، بسيطة بشكل لافت. إذ بدأ باين بشراء عملات البيتكوين عندما كانت قيمتها أقل من 1 دولار، ثم حقق ثروة بطريقة سهلة وسريعة، بعد أن شهدت أسعار هذه العملة الرقمية صعوداً صاروخياً خلال الأشهر اللاحقة.
وقد ذكر هذا المتبرع خلال حوار له مع مجلة فوربس أن “هناك الكثير من الأشخاص في هذا العالم يبذلون جهداً كبيراً، ولكن لا يحصلون في المقابل إلا على القليل. وأعتقد أن صرف الأموال على نفسي يعتبر إهداراً لها، كما أن القيمة الهامشية للأموال بالنسبة لي تبقى ضئيلة. فمن منظور القيمة، أقوم بخلق هذه القيمة عبر إعادة توزيع جزء كبير من مالي على أولئك الذين سيستفيدون به أكثر مني، إذ باتت هذه الأموال الرقمية تمثل عبئاً علي”.
وإلى غاية الآن، قامت مؤسسة الأناناس الخيرية التي أسسها هذا الرجل المجهول بتوزيع 5057 قطعة بيتكوين، تم تحويلها إلى مبلغ 53 مليون دولار، لفائدة 59 جمعية خيرية. وقد تراوحت المبالغ الموزعة بين 250 ألف دولار و5 مليون دولار. ورغم أن مؤسسة الأناناس الخيرية لم تحدد بعد القضايا التي تريد مساندتها، إلا أن حوالي نصف تبرعاتها ذهب لمؤسسات تنشط في مجال الرعاية الصحية وحماية البيئة.
سعادة كبيرة
وقد عبرت ليندا توتنباوم، وهي المشرفة على “مؤسسة الطب المفتوح“، المتخصصة في البحث العلمي لعلاج الأمراض المزمنة، عن سعادتها بحصول مؤسستها على 5 مليون دولار من مؤسسة الأناناس الخيرية خلال شهري كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير، حيث قالت: “لقد كان الأمر بمثابة الحلم”.
وقد علمت ليندا توتنباوم بشأن هذه المبادرة عن طريق أحد المرضى الذين يتلقون المساعدة من المؤسسة التي تشرف عليها، وذلك خلال شهر كانون الثاني/يناير الماضي، حيث تقدمت بطلب للحصول على المساعدة لتمويل أعمالها الخيرية، عبر الموقع الرسمي لمؤسسة الأناناس. كما ذكرت ليندا أن جمعيتها الخيرية قبلت في السابق تبرعات بالاعتماد على البيتكوين، ولذلك فهي تمتلك حسابا على موقع “بيت باي”، الخاص بتحويلات العملة الرقمية.
مع ذلك، وعندما أرسل لها السيد “باين” رسالة إلكترونية في يناير/ كانون الثاني عارضاً عليها مبلغ 1 مليون دولار لتتصرف فيه بكل حرية، لم تصدق الأمر واعتقدت أنه مجرد مزحة. وقد أرسلت مؤسسة الأناناس تبرعاتها بالبيتكوين عبر موقع “بيت باي” لفائدة “مؤسسة الطب المفتوح”، وقد تم تحويل العملة الرقمية مباشرة إلى أموال نقدية. وبعد هذا التبرع الأول، التزم باين أيضا بإرسال 4 مليون دولار إضافية للمؤسسة.
وقد مثل ذلك تغييراً جذرياً في قدرات هذه المؤسسة على مساعدة الناس وتنفيذ مساعيها الخيرية، إذ أن هذه المؤسسة كانت تحصل في السابق على التبرعات بشكل تقليدي، وقد جمعت 3 مليون دولار في سنة 2017، علما وأنها تلقت في المجمل 12 مليون دولار منذ تأسيسها في 2012. من جهتها، قالت ليندا توتنباوم: “لقد كنا مجبرين على المرور بعديد المراحل والعوائق من أجل جمع التبرعات”.
ويبدو تأثير التبرعات بالبيتكوين كبيراً جداً على المؤسسات الخيرية الصغيرة، على غرار التي تشرف عليها ليندا توتنباوم، بفضل فعالية وشفافية هذه الوسيلة في التحويل المالي. وقد تم تسجيل كل تبرع قامت به مؤسسة الأناناس، على دفتر حسابات بلوكتشين. كما يقوم السيد “باين” أيضا بالكشف بشكل طوعي عن كل تبرع يقدمه، عبر موقع ريدت والموقع الرسمي لمؤسسته.
وفي حوار له مع “مجلة الأعمال الخيرية“، قال تشايس آدم، أحد مؤسسي “واتسي”، وهي مؤسسة صحية دولية حصلت على تبرع بقيمة 2 مليون دولار من مؤسسة الأناناس، إن “بعض الناس يعتقدون أن الأمر بسيط، ولكن، في الواقع أرى أنه أفضل وأروع طريقة للعطاء، حيث يتم اختيار المنظمة الخيرية ذات المصداقية، وتقديم المساعدة دون مواجهة العراقيل القانونية، وتمكين هذه المنظمات من التركيز على أداء مهمتها. وبالنسبة لنا، كان هذا الأمر مؤثرا، حيث أن قيمة التبرع مثّلت ثلثي ما جمعناه على امتداد سنة 2017”.
وفي الوقت الراهن، تعكف المنظمات الخيرية الكبرى على استكشاف فرص الاستفادة من تكنولوجيا البلوكتشين، لتوزيع مساعدتها على المستحقين، خاصة في العمليات واسعة النطاق التي تتم في دول مختلفة. وعلى سبيل المثال، بدأ برنامج الغذاء العالمي، وهو أحد فروع الأمم المتحدة ويتكفل بمساعدة المناطق التي تعاني من شح الغذاء، في اختبار تكنولوجيا بلوكتشين الإيثيريوم في كانون الثاني/يناير الماضي، لإرسال مساعدات للاجئين في باكستان.
وبعد تحقيق النجاح الأولي، يقوم برنامج الغذاء العالمي الآن بإدارة برنامج آخر اختباري في الأردن، يعتمد على التكنولوجيا ذاتها. وإلى حد الآن، استفاد أكثر من 10 آلاف لاجئ سوري من هذه التجربة، حيث تلقّوا المساعدات عبر نظام جديد يعتمد على البلوكتشين.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.