تواصل الولايات المتحدة الأمريكية فرض عقوباتٍ جديدةٍ على كوريا الشمالية بسبب برنامجها النووي، لكنها لم تتمكن من تغيير سلوك كيم جونغ أون، وذلك لسبب غريب ألا وهو مهارة بيونغ يانغ في استخدام العملة الرقمية.
قبل 5 أيامٍ، فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على عشرات السفن وشركات الشحن وغيرها من الشركات المتهمة بتقديم المساعدة لبيونغ يانغ في تمويل برامجها النووية والصاروخية. ويمثل هذا التحرك جزءًا من إستراتيجية أمريكية أوسع لتجويع النظام الكوري الشمالي من المال الذي قد يستخدمه لتطوير أسلحته. كما ترغب إدارة ترامب في جعل هذه العقوبات أشد وطأةً لدرجة قد تجعل بيونغ يانغ توافق على الجلوس على طاولة المفاوضات حول برامجها.
وأكدت بريسيلا موريوتشي، الموظفة السابقة في جهاز الأمن القومي والمكلفة بالإشراف على التهديدات السيبرانية القادمة من شرق آسيا، أن “المشكلة تكمن في أن كوريا الشمالية يمكنها أن تتجنب بشكلٍ جزئيٍ القيود المالية من خلال استخدام العملات الرقمية، التي تعتبر شكلاً من أشكال المال على الإنترنت”.
تُقدر موريوتشي أن كوريا الشمالية تكسب ما بين 15 مليوناً إلى 200 مليون دولار، من خلال إنشاء وبيع العملات الرقمية ومن ثم تحويلها إلى أموالٍ نقدية. وتتغير إيراداتها اعتماداً على قيمة العملة الرقمية عندما تقوم كوريا الشمالية بصرفها. وإن كان هذا المال غير كافٍ لتمويل كامل برامج الأسلحة في كوريا الشمالية، بيد أنه يضمن عدم غلقها.
على الرغم من أن العقوبات تضر بالاقتصاد المادي لكوريا الشمالية، إلا أنه لا يوجد حاليًا إلا طرقٌ قليلةُ يمكن أن تقيد بها الولايات المتحدة الأمريكية الاقتصاد الرقمي المتنامي في بيونغ يانغ. وهذا يعني أن كوريا الشمالية لديها قدرة أكبر على إبقاء برنامجها النووي قيد التشغيل أكثر مما نعتقد.
وقالت موريوتشي “أراهن أن هذه العملة تتحول إلى شيءٍ ما، أي إلى نقدٍ أو سلعٍ ماديةٍ، وتستخدم في دعم برنامج كوريا الشمالية النووي وبرنامج الصاروخ الباليستي”.
وفيما يلي، نص الحوار الذي دار معها.
لماذا تعد العملة الرقمية مفيدةً لكوريا الشمالية؟
لا يشترط استعمال العملات الرقمية الكثير من متطلبات الهوية أو الأمن، بل إن الكثير من هذه العملات تقوم على إخفاء هوية مستخدميها وتوفير الأمن لهم. ويجعلها هذا منصةً مثاليةً تبدأ منها بلدان مثل كوريا الشمالية، المعزولة تماما عن النظام المالي الدولي، كي تستخدم هذا الشكل الجديد من التجارة الموجودة إلى حدٍ كبيرٍ خارج الرقابة التنظيمية للبلدان.
كيف تجمع الدول البيتكوين وتقوم بتعدينها؟ وهل هذه الطريقة تختلف عن تلك التي يقوم بها الأشخاص العاديون؟
إن التعدين مجرد طريقة يتم فيها إنشاء العملة الرقمية، حيث يتطلب إنشاء عملةٍ واحدةٍ العديد من أجهزة الكمبيوتر لحل عددٍ من المعادلات الرياضية. وبمجرد الانتهاء من حلها يتكون ما يسمى بالكتلة، التي هي في الأساس العملة نفسها، علما بأن صانع الكتلة يحصل على مكافآتٍ.
ويمكن لأي جهةٍ إنشاء كتلةٍ، سواء كانت فردًا أو بلدًا. وهي عملية تميل إلى أن تكون مكثفةً حسابيًا وتحتاج استخدام طاقةٍ هائلةٍ، فضلا عن وصولٍ مستقرٍ جدًا للإنترنت التي يجب أن تكون ذات نطاقٍ تردديٍّ عالٍ. ثم بمجرد بناء كتلة تحصل على مكافأة، والتي تكون في العادة من نفس العملة.
تفرض الولايات المتحدة والأمم المتحدة باستمرارٍ عقوباتٍ على كوريا الشمالية. وعادةً ما يحاولون وقفها من تداول أكبر صادراتها، مثل الحديد والفحم والمأكولات البحرية. ولكن كنت تقولين إن كوريا الشمالية تستخدم العملة الرقمية من أجل كسب المال والتهرب ولو جزئيا من تلك العقوبات المادية المفروضة عليها، أليس كذلك؟
لقد ركزت غالبية العقوبات الدولية والأميركية حتى الآن على نقاط الضغط الإقليمية على كوريا الشمالية ونظامها. ولا تزال هذه العقوبات مستمرة لسنوات وسنواتٍ من هذه الزاوية، ولكن النظام لم يتخل عن محاولة تطوير القذائف الباليستية أو الأسلحة النووية. ولهذا الغرض، تستخدم كوريا الشمالية الإنترنت لدعم نفسها، وبرامج الأسلحة الخاصة بها، في الوقت الذي تتعرض فيه للعقوبات.
هل تفعل كوريا الشمالية كل هذا انطلاقا من حدودها أم أنها تنجز هذه العمليات في مكان آخر؟
من بين الأمور التي نعرفها من خلال شهادة أحد المنشقين، أن كوريا الشمالية أنشأت شبكةً من القواعد التشغيلية في البلدان الأجنبية، حيث تنفذ فيها العمليات السيبرانية.
من هي هذه البلدان القليلة؟
من بينها الصين وبعض دول جنوب شرق آسيا. لقد رصدنا قدرًا كبيرًا من الأنشطة الكورية الشمالية في بلدان مثل الهند وماليزيا والفلبين، ونعتقد أن هناك قواعد تشغيليةً في بعض تلك البلدان. لكننا في الحقيقة لم نجر تحقيقاتٍ للتأكد من عناوينها.
إن مشغلي القواعد التشغيلية الكوريين الشماليين الذين أرسلوا إلى هناك ينجزون وظيفتين؛ وتتمثل الأولى في تنفيذ العمليات التي يخبرهم عنها النظام الكوري الشمالي، فيما تتمثل الثانية في كسب المال. وتعود غالبية تلك الأموال، أي ما تقدر نسبته بين 80 و90%، مرة أخرى إلى النظام، ولا يبقى سوى مبلغٍ بسيطٍ للمشغلين أنفسهم.
كم يبلغ حجم عمليات العملات الرقمية التي تجريها كوريا الشمالية؟
نحن لا نعرف المقياس. لكنني رأيت عملية تعدين بيتكوين صغيرة الحجم في كوريا الشمالية خلال الصيف الماضي، ولم أر ما يرقى لمقياس مستوى المصنع، مثلما سنرى في روسيا والصين في بعض الأحيان.
في الظاهر، يبدو هذا الأمر برمته غامضًا ويكتسي صبغة غير قانونية.
ليست غير قانونية بأي شكلٍ من الأشكال، خلافًا للعديد من الأمور التي تقوم بها كوريا الشمالية لجني الأموال، على غرار تزوير الدولار الأمريكي والسجائر، وبيع الحيوانات البرية والمخدرات غير القانونية.
هل سبق ورأينا بلدانا أخرى تستعمل العملات الرقمية لشراء أغراض مادية؟ نحن لا نعلم بالضرورة إن كانت كوريا الشمالية تشتري قوارب الصيد، لكن هل شهدنا شراء روسيا لبعض الأغراض أيضا؟
يمكن لهذا الأمر أن يحدث، ويمكن لأي مستخدمٍ شراء أغراضٍ ماديةٍ بواسطة البيتكوين. فبإمكانك شراء البيتزا في المطاعم، فضلا عن السلع من المتاجر الواقعة في مختلف أنحاء العالم. ويمكنك أيضا شراء البرمجيات الخبيثة من أسواق الويب المظلم. لكننا لم نر أحدًا يشتري الفحم، بيد أن حقيقة عدم تسجيلنا لصنفٍ معينٍ من عمليات الشراء لا ينفي وجودها.
في المقابل، تمتلك كوريا الشمالية شبكاتٍ إجراميةٍ واسعة النطاق، وكانت هذه الشبكات راسخة منذ عقودٍ بغاية تسهيل الأنشطة غير المشروعة. وإذا تمكنت بيونغ يانغ من تحويل البيتكوين إلى عملةٍ ماديةٍ، فإن إعادة هذه العملة إلى كوريا الشمالية سيكون أمرًا سهلا للغاية، والأمر سيان بالنسبة لشراء البضائع بواسطة العملة المادية.
كيف يمكن لكوريا الشمالية أن تحول العملة الرقمية إلى عملة صعبة؟
حظيت سرقة مصرفية تعرض لها بنك بنغلاديش سنة 2015 بتغطية إعلامية واسعة، حيث اتهمت كوريا الشمالية بالضلوع في هذه العملية. وانتهى بهم الأمر بنقل وسرقة حوالي 81 مليون دولار من البنك المركزي في بنغلاديش، ثم تحويلها إلى حسابات مصرفية في الفلبين. ثم سُحبت جميع الأموال من هذه الحسابات خلال بضعة أيامٍ فقط، وأديرت هذه الأموال في عدة كازينوهات في الفلبين وماكاو، ثم اختفت نهائيًا. ويبدو هذا مثالًا عظيمًا على تحويل الأموال من الطور الافتراضي إلى الحالة المادية.
أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية خبيرة في تسليط العقوبات على الأغراض المادية. لكن، لماذا لا نكون جيدين كفايةً على مستوى إيقاف نشاط العملات الرقمية.
عندما يتعلق الأمر بالعملات الرقمية، فإن المشكلة تكمن في أن تنظيمها لا يزال محدودًا للغاية. فهناك عددٌ قليلٌ نسبيًا من البلدان التي تفرض أي نوع من الأمن على الشبكة أو قوانين تحديد الهوية للذين يجرون هذه المبادلات. ولا وجود لأي وثيقةٍ أو أوراق ثبوتيةٍ، مما يجعل إيجاد أهداف محددة لأي نوع من العقوبات أمرًا صعبًا للغاية.
بإمكاننا القول إن كوريا الشمالية تستعمل البيتكوين، لكننا نعجز عن معاقبة البيتكوين ككيان لأنها ليست جهة ملموسة ومسؤولة وإنما مجرد تكنولوجيا موزعةٍ. وعوضا عن ذلك، علينا الحفر بشكل أعمق ومحاولة البحث عن محفظاتٍ رقميةٍ استعملتها كوريا الشمالية، ومعاملات يمكنها إجبارها على تقديم البيانات للجهات المعنية بتطبيق القانون. وأعتقد أن مجرد عدم وجود لوائح في العالم الرقمي، فضلا عن المساحة المستهدفة واسعة النطاق، جعلت من مسألة وضع لوائحٍ على هذه العملات أمرًا صعبًا.
هل تراهنين على أن كوريا الشمالية تستعمل العملات الرقمية بطريقة ما لتحسين برنامجها النووي؟
أراهن على أنه يتم تحويل هذه العملات إلى شيء ما، سواء كان عملةً أو أغراضًا مادية، بشكل يدعم برنامج كوريا الشمالية للصواريخ النووية والباليستية. وفي الواقع، يمكن أن يكون ذلك بسيطا للغاية. فبعد صرف هذه العملات، يقومون بأخذ العملات النقدية إلى البنك الذي يمتلكون صلات وثيقةً معه. وبمجرد إيداع هذه الأموال النقدية في ذلك البنك، تصبح جزءًا من أصولهم المالية.
في حال سنحت لك الفرصة للاجتماع مع الرئيس ترامب أو سفيرة الأمم المتحدة نيكي هالي لمناقشة طريقةٍ لإيقاف كوريا الشمالية في فضاء العملات الرقمية، فما الذي ستقولينه لهما؟
أولًا، نحن بحاجة إلى حشد الدول المشاركة لزيادة اللوائح المتعلقة بالمبادلات ومزودي المحافظ الرقمية. فمن شأن ذلك أن يساعد على إنشاء أوراق ثبوتية يمكننا استعمالها بهدف التعرف على الحسابات الكورية الشمالية ولبيان كيفية نقلها لهذه العملات.
ثانيًا، يتوجب علينا إنشاء بيئة مشاركة قويةٍ ومشابهةٍ للتي تمتلكها الحكومات مع المؤسسات المالية، حيث يجب عليك تتبع العملات أو الإبلاغ عنها في حال تجاوزها مبلغًا معينًا بالدولار، مثل 10 آلاف دولار. ويجب علينا وضع بعض القيود حول متى يجب الإبلاغ عن المعاملات التي تتجاوز عددًا معينا من العملات. ويمكن لذلك أن يمثل طريقة أخرى لرصد البعض من هذه الأعمال الإجرامية أيضا.
إلى أي مدى يجب أن نشعر بالخوف من استمرار تطور كوريا الشمالية في الفضاء الرقمي، الذي يساعدها بدوره على مواصلة التحسن على مستوى برنامجها للصواريخ النووية والصواريخ الباليستية؟
عندما يتعلق الأمر بعقوبات العمليات السيبرانية، فإنه لم يُسلط سوى القليل من العقوبات على أي بلدٍ، وهذا ينطبق على كوريا الشمالية أيضُا. ومع ذلك، لا يبدو أن هناك قيدًا على الموارد في كوريا الشمالية في الوقت الحالي. ومن المؤكد أنه لا وجود لقيودٍ دوليةٍ عندما يتعلق الأمر بتقييد حركتهم في بلدان أخرى، أو الحد من تكنولوجيا المعلومات لديهم، أو تدريباتهم على علوم الكمبيوتر.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.