إلى جانب الاهتمام الكبير الذي رافق صعود البيتكوين في عالم المال والأعمال، فإن هناك توجها متزايدا نحو الاعتماد على العملة الرقمية، وتكنولوجيا البلوكتشين، لتطوير قطاع العمل الخيري وإحداث تأثير على المجتمع.
نظرة عامة على البيتكوين والعملات الرقمية
ما هي البيتكوين؟ إن البيتكوين هي عملة متداولة على شبكة الإنترنت يمكن الاعتماد عليها للدفع، أو إدخارها كأصل ذو قيمة، إلا أن استخدامها يكون خارج أطر الأنظمة المالية والنقدية التقليدية المألوفة في العالم الواقعي. ولمزيد توضيح هذه الفكرة، يمكن التفكير في البيتكوين كبديل افتراضي عن الدولارات والذهب يسيطر عليه الأفراد وليس البنوك المركزية، وفق ما ذكرت النسخة الأميركية لهاف بوست.
في الواقع، يمكن اعتماد هذه العملة الرقمية، التي توفر رسوما رمزية ودرجة أمان عالية، لإجراء التحويلات المالية المباشرة بين الأفراد، أو تحويلها بالدولار، أو استخدامها لعمليات الشراء في عدد متزايد من الشركات، على غرار موقع “أوفرستوك“، “ديل”، “إكسبيديا”، “ديش تي في” و”إنتويت”.
في بعض الأماكن، يمكنك شراء شطيرة هامبورغر أو ساندويتش صابواي عن طريق عملة البيتكوين، علما بأن الصرافات الآلية الخاصة بالبيتكوين باتت متوفرة.
الوجهة المفضلة للمستثمرين
كما أصبحت هذه العملة الوجهة المفضلة لعدد متزايد من المستثمرين، سواء كانوا أفرادا أو مؤسسات. وتعزى هذه المكانة بالأساس إلى ارتفاع قيمة هذه العملة الافتراضية بنسبة تفوق 300 بالمائة خلال العام الماضي، لتعادل قيمة وحدة البيتكوين في الوقت الحالي ثلاثة أضعاف قيمة أوقية من الذهب.
ليست البيتكوين العملة الوحيدة التي حظيت بالاهتمام والطلب المتزايد، بل إن بقية العملات الرقمية الأخرى، التي يبلغ عددها أكثر من ألفي عملة، تشهد أيضا تزايدا في الطلب.
فقد مكنت كل هذه العملات الرقمية المشابهة للبيتكوين الشركات الناشئة في مجال تقنية البلوكتشين من جمع مليارات الدولارات عبر عمليات الطرح الأولي للعملة.
وتجدر الإشارة إلى أن عمليات الطرح الأولي للعملة المعماة تتمثل في إصدار شركة ما لعملات رقمية رمزية تحمل وسمها الخاص، التي يمكن لمالكيها فيما بعد بيعها أو مبادلتها بخدمات أو عملات أخرى، من بينها عملات النقد الإلزامي، على غرار الدولار والين.
وتتم المتاجرة بهذه العملات الرقمية من خلال أسواق افتراضية على شبكة الإنترنت، حيث تشهد قيمتها تقلبات تماما مثل البورصة.
العملات الرقمية وجمع التبرعات
أعتقد أنه من الممكن الاستفادة من هذه العملات الجديدة في مجال جمع التبرعات، خاصة أن بعض الجمعيات والمؤسسات الخيرية قد شرعت في قبول التبرعات بعملة البيتكوين، مع إمكانية تبديلها لاحقا بالدولارات.
ومن بين المنظمات التي تقبل تبرعات البيتكوين، نذكر الصليب الأحمر، “يونايتد واي”، “السلام الأخضر” و”منظمة أنقذوا الأطفال”، بالإضافة إلى “ويكيميديا”، ومؤسسات خيرية أخرى.
وأنشئ موقع جديد للتمويل الجماعي للقضايا السياسية والاجتماعية، تحت اسم “بيتهوب“، يحتضن حملات التمويل التي تقبل فقط التبرعات بالبيتكوين.
كما تم إطلاق مجموعة من مشاريع العملة الرقمية، التي توفر عملات خيرية مخصصة لدعم الشبكات والمشاريع الإنسانية غير الربحية. فعلى سبيل المثال، وقع ابتكار عملة “كلين ووتر كوين” خصيصا للمساعدة على توفير الدعم المالي لمنظمة غير حكومية تعنى بمسألة المياه الصالحة للشرب.
وحتى الآن، نجح هذا الموقع في جمع أكثر من ألفي دولار عبر التنقيب وبيع عملة “كلين ووتر كوين”.
إلى جانب هذه المبادرة، نذكر “روت بروجكت“، التي ستطلق قريبا عملية طرح أولي للعملات لدعم جهود مكافحة الفقر.
ومن المتوقع بيع هذه العملة الرقمية الجديدة، التي تسمى “روتس توكن”، وتبادلها مقابل الدولار من أجل تمويل المشاريع المجتمعية الموجهة للفقراء.
كما سيتم تخصيص البعض من هذه العملة لدفع مرتبات الأفراد العاملين في المشاريع الخيرية. وقبيل الشروع في بيع عملته الجديدة، نجح هذا المشروع في جمع أكثر من 200 ألف دولار لهذه المنظمة الخيرية.
ما الذي يشجع المنظمات غير الربحية على قبول البيتكوين؟
ومن أبرز النقاط التي تشجع المنظمات غير الربحية على قبول البيتكوين، أن عملية الدفع والتحويل المالي لهذه العملات الرقمية والمحفظات على غرار “كوين بايز”، لا تفرض رسوما على عمليات الدفع الموجهة للمنظمات الخيرية.
فإذا كان المتبرع يريد الدفع بالبيتكوين، على سبيل المثال، فإن المنظمة الخيرية تحصل على المبلغ بالكامل دون اقتطاع رسوم منه.
عند مقارنتها مع بقية آليات الدفع، سيتبين أن بطاقة بايبال تفرض رسوما أقل على التحويلات نحو المنظمات الخيرية، حيث لا تتجاوز رسومها 2.2 بالمائة بالإضافة إلى دفع 30 دولارا عن كل عملية تبرع. بالإضافة إلى ذلك، تحتسب تبرعات البيتكوين ضمن التقرير الضريبي، وتتعامل معها سلطات الضرائب تماما مثل الأسهم والسندات الممنوحة للجمعيات الخيرية.
كما تعتبر مسألة الشفافية في قطاع الأعمال الخيرية من المعايير التي يتم اختبارها الآن بالاعتماد على البيتكوين وشبكة البلوكتشين، في قطاع الأعمال الخيرية. فقد أطلق موقع منظمة “بيت غيف” مبادرة بعنوان “غيف تراك” (أي المنح والمتابعة).
وحسب القائمين على هذه المبادرة، سيمكن هذا النظام المانحين والرأي العام من تعقب التحويلات نحو القضايا الخيرية، بالاعتماد على منصة مفتوحة تعرض كل البيانات بشكل فوري، لكي يطلع الأشخاص على كيفية إنفاق هذه التبرعات ويتأكدوا من وصولها إلى مستحقيها، إلى جانب متابعة النتائج التي أحدثتها كل هذه المساهمات.
البلوكتشين في قطاع العمل الاجتماعي
تحمل تكنولوجيا البلوكتشين، التي تدعم العديد من العملات الرقمية، آمالا ووعودا كبيرة لتطوير العمل الاجتماعي. وفي الوقت الراهن، جاري دراسة البلوكتشين وإجراء تجارب عليها مع عدد من المنظمات والصناديق الخيرية العالمية، على غرار اليونيسيف، والبنك الدولي، ومؤسسة بيل ومليندا غايتس.
والجدير بالذكر أن هذه المشاريع تغطي مجموعة من النقاط الهامة، على غرار الشفافية في توزيع المساعدات، والتحويلات المالية المحلية والدولية، فضلا عن حماية حقوق الملكية، وتأمين أصوات الناخبين، وحماية البيئة.
وعلى الرغم من أن هذه التكنولوجيا في حد ذاتها معقدة، وفهمها حكر على العباقرة في مجال الحوسبة، إلا أنها توفر بالأساس آليات رقمية للشفافية عبر تسجيل ومشاهدة كل التحويلات المالية.
وتعمل البلوكتشيان عبر شبكة حوسبة لامركزية تحفظ فيها سجلات التحويلات المالية ولا يمكن اختراقها أو التلاعب بها. وبينما تمثل الإنترنت وسيلة لتبادل المعلومات، تضطلع البلوكتشين بدور وسيلة لتبادل القيمة.
برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة
ومن الأمثلة المحددة على كيفية استخدام البلوكتشين في القطاع الاجتماعي، نذكر مشروعا رائدا أطلقه مؤخرا برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، الذي يوفر للاجئين السوريين في الأردن قسائم بالعملة الرقمية يتم دفعها في محلات معينة. وقد استخدمت المنصة بنجاح للتسجيل والمصادقة على معاملات مالية أجراها حوالي 10 آلاف شخص.
مؤخرا، تم الإعلان عن تجربة “الديمقراطية التمثيلية”، الذي يسمح لمستخدمي تطبيق هاتفي مشفر وفق تقنية البلوكتشين يسمى “السيادة”، بالتصويت بأسلوب الند للند وليس عبر المؤسسات الحكومية، لإبداء الرأي حول أي قضية أو إرسال أصواتهم نحو أي طرف آخر موثوق.
ويأمل مبتكرو هذا التطبيق، التابعون لمؤسسة “أرض الديمقراطية“، في خلق شكل جديد من الحوكمة العالمية التي تتجاوز الحدود القومية وتمكن من إرساء الديمقراطية كحق إنساني عالمي.
أما في مجال حماية البيئة، فقد تم تبني أنظمة إدارة موارد جديدة وقوية تعتمد على البلوكتشين، وتمتاز بالشفافية وعدم قابلية الاختراق والتلاعب، التي يمكن استخدامها للتثبت مما إذا كان المنتج الغذائي عضويا، وهل تعرض منتجوه للاستغلال التجاري، من بداية إنتاجه وصوله إلى طاولة المستهلك.
وفي تقرير صدر في مايو/أيار 2017، قدمت وكالة “كوربس” الخيرية المتخصصة في مجال حماية البيئة، وصفا شاملا للعديد من المشاريع الإبداعية التي تهدف إلى تحقيق نقلة في مجال التنمية الدولية والمنظمات غير الحكومية عبر العملات الرقمية وتقنية البلوكتشين.
التحديات والفرص
لا تزال مشاريع العملة الرقمية والبلوكتشين جديدة نسبيا، ولم تثبت فعاليتها في العديد من الحالات، فضلا عن أن سوق العملة الرقمية لا يزال غير خاضع لأي قوانين أو قواعد، ويتسم بالتقلبات الشديدة.
وليست البلوكتشين العصا السحرية التي سوف تعالج كل التحديات الاجتماعية، إلا أن هذه التكنولوجيا ستواصل تطورها لإحداث ثورة في التفاعلات بين الأفراد والأنظمة في مختلف القطاعات.
وقد شرعت المؤسسات المالية، والمنظمات والحكومات حول العالم في الاستغلال الفعلي أو التخطيط لتبني العملات الرقمية وتكنولوجيا البلوكتشين بطرق جديدة ومبتكرة.
في المجال الاجتماعي، يمكننا أن نلاحظ تزايد فرص الاستفادة من هذه الفكرة، للمساعدة على تلبية احتياجات أولئك المتضررين من الأعاصير المدمرة في منطقة الكاريبي وجنوب الولايات المتحدة.
وفي مثل هذه الأوضاع، تمتلك البلوكتشين القدرة على دعم إرسال المساعدات المالية الفورية والمباشرة لمساعدة ضحايا الأعاصير، عندما لا تكون البنوك متاحة وتكون حركة المنظمات الإغاثية والحكومات بطيئة جدا. كما تستخدم أيضا لتعقب التبرعات والتأكد من أنها وصلت لمستحقيها.
في النهاية، يمكن أن تستفيد المؤسسات الخيرية من هذه التعاقدات الآلية والذكية بينها وبين الجهات المانحة، باعتبار أن هذه الجهات لن تمنحها المال إلا عند التزامها بشروط الشفافية.
كما تستطيع البلوكتشين أن توفر للمؤسسات والمستثمرين في المجال الاجتماعي أنظمة تعقب وقياس الشفافية لمراقبة توزيع التبرعات، ليتسنى لهذه المنظمات لاحقا إصدار عملتها الرقمية الخاصة بها، أو عملة مشفرة خاصة بالمعاملات الخيرية.
وهناك مقترحات حول اختفاء المؤسسات والمنظمات الخيرية نهائيا، باعتبار أن فكرة البلوكتشين تقوم على إزالة كل الوسطاء وإرساء التعامل المباشر. وفي الواقع، تبدو الفرص والاحتمالات بشأن الاستفادة من العملات الرقمية والبلوكتشين بلا نهاية.
وقالت كافيتا غوبتا، التي تدير صندوقا رأس ماله 50 مليون دولار مخصص لدعم الشركات التي تعالج التحديات العالمية باستخدام البلوكتشين، “لا نزال هذه التكنولوجيا في البداية، ولم نصل بعد إلى أعماق التأثيرات الاجتماعية المنتظرة من البلوكتشين”.
ويبدو أن المستقبل في القطاع الرقمي سيكون للعملات الرقمية والبلوكتشين. والسؤال المطروح الآن ليس “متى ستغير تكنولوجيا البلوكتشين هذا القطاع؟” نظرا لأنها قامت بذلك بالفعل.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.