تمكننا تكنولوجيا البلوكتشين من التخلص من الوسطاء الماليين، المتمثلين أساسا في البنوك وشركات التأمين، الذين يقتطعون عمولات هامة على كل عملية تحويل مالية.
في الوقت الحالي، أصبح الأشخاص مهووسين بالبلوكتشين، هذه التكنولوجيا اللامركزية التي تمكن من تطوير الأموال المشفرة، مثل عملة البيتكوين.
ومن الملاحظ أن المؤسسات البنكية لا تفوت أي فرصة لذم هذه التكنولوجيا. فنادرا ما تخلوا الصحف من المقالات التي تبرز مخاطر هذا الاختراع العجيب الذي ظهر في القرن 21، المسمى البيتكوين، أول عملة افتراضية في التاريخ.
البيتكوين أو العودة للنقد
منذ عدة سنوات، حظرت البنوك المعاملات بالنقد. وكنتيجة للعديد من التشريعات والقوانين الملزمة التي تمكنت هذه المؤسسات من استصدارها من الحكومات المتواطئة معها، نجحت البنوك اليوم في الاستحواذ على كل السيولة المالية المتوفرة.
تعد فرنسا وبنوكها التي تتمتع بالحماية الحكومية، من بين الأطراف الرائدة في إرساء هذه الوساطة البنكية القسرية. ولمزيد فهم هذه المسألة، يكفي التفكير في عملية تعميم البطاقات الائتمانية، أو القيود الخانقة المفروضة على سحب الأموال نقدا، تحت ذريعة محاربة الفساد والتصدي لتبييض الأموال. ويبدو جليا أن كل هذه الإجراءات تعرقل إمكانية تداول الأوراق المالية البنكية.
في الواقع، لقد أظهرت هذه التجربة أن القيود الحكومية المفروضة على المعاملات المالية النقدية تؤدي في النهاية للقضاء على تدفق النقود التقليدية. وبما أن طبيعة هذا المجال تأبى الفراغ، كانت ردة الفعل الناتجة عن ذلك اختراع البلوكتشاين. ويقدم نظام السلسلة اللامركزية، الذي توفره هذه التكنولوجيا، إمكانية إنجاز تحويلات متنوعة من بينها المالية دون أي تدخل من البنوك المركزية.
لا مفر من الاستغناء عن وساطة البنوك
بفضل تكنولوجيا البلوكتشين، بات من الممكن ممارسة التجارة وتبادل المبالغ المالية دون تدخل طرف ثالث. ففي هذه الحالة، يتعامل البائع والمشتري فيما بينهما دون وسيط، بشرط أن يكون هذا الأمر مسموحاً به في منصة التحويل التي يتعامل ضمنها الطرفان.
لكن، لا تزال هذه الآلية غامضة في عقول الكثيرين، وتشبه لحد كبير منطق “الشيك الهدية” الذي يمكن صرفه مقابل اقتناء أي بضاعة أو تلقي أي خدمة. بعبارة أخرى، تتمثل هذه العملة المشفرة في سند مالي مرمّز بسلسلة أرقام، يتم تبادله بشكل حر بين مجموعة من الأفراد الذين يقبلون به. وهذا يعني وضع نهاية لدور البنوك كإطار حصري لتحويل هذه السندات المالية.
ومن هذا المنطلق تتجلى الخطورة التي تمثلها هذه التكنولوجيا بالنسبة للبنوك؛ إذ أن هذه المؤسسات التي كانت دائما تأمل في الاستحواذ على السوق المالية الحرة والسيطرة بالكامل على السيولة النقدية، وجدت نفسها فجأة في مواجهة منافسة جديدة.
وتتسم تكنولوجيا البلوكتشاين بخطورة غير مسبوقة، لأنها توفر العملات المعماة التي يمكن استخدامها في شراء وبيع كل أنواع البضائع، وتبادلها بشكل آمن دون تدخل المؤسسات المالية الرسمية.
انطلاق حملة التشويه
دفعت كل هذه المميزات ببعض وسائل الإعلام إلى شن حملة لشيطنة العملات الرقمية، التي باتت تشكل منافسا مخيفا للبنوك، الذين يمثلون بدورهم أحد أبرز المستشهرين والداعمين للصحف الباحثة عن الدعم المالي. فلا يكاد يمر يوم دون العثور على مقال في إحدى الصحف يندد بخطورة المضاربة التي يمثلها التعامل بالبيتكوين وبقية العملات المشابهة لها.
حيال هذه النقطة بالذات، يبدو أن البنوك نفسها فهمت كنه الخطر الذي يحدق بها. فقد أصبحت المؤسسات البنكية تدفع الأموال لموظفيها لوقف هروب رؤوس الأموال نحو العملات المشفرة. وخير مثال على ذلك، ماريو دراغي، الخبير الاقتصادي الذي يشغل منصب رئاسة البنك المركزي الأوروبي منذ سنة 2011، الذي انخرط في حملة التخويف من هذه الظاهرة، قائلا “إن العملات الافتراضية معرضة للكثير من التقلبات الحادة، ناهيك عن أن قيمتها الحقيقية خاضعة بشكل كامل للمضاربات”.
نتيجة لذلك، يبدو أن الغضب الشديد الذي استبد بهذه المؤسسات الرسمية قد دفعها للمسارعة بالسيطرة على القرار الحكومي والبنوك المركزية، من أجل فرض تضييقات شديدة على الأسواق والبدائل المنافسة لها. ففي الولايات المتحدة الأمريكية، شرعت بعض البنوك فعلا في منع الدفع عبر عملة البيتكوين، كما حظرت استخدام البطاقات الائتمانية لشراء هذه العملة.
وفي ظل هذه الإجراءات، يمكننا القول إن هذه المؤسسات لم تجد طريقة أوضح للتعبير عن عزمها وضع أكبر عدد ممكن من العراقيل أمام تطور هذه السوق المنافسة.
الصين تراهن على البلوكتشين
بينما تصر بعض الأطراف على مواصلة تصديق حملات التخويف بشأن الطبيعة المتقلبة للبيتكوين وتكنولوجيا البلوكتشاين، فهم المستثمرين الواثقون في مستقبل هذه التكنولوجيا أن الوقت قد حان للتأهب لخوض هذه الثورة النقدية.
في الآونة الأخيرة، عقدت شركة التأمينات الصينية “لوكو” شراكة واعدة تعتمد على البلوكتشاين. وفي حفل إبرام هذه الاتفاقية، أعلن مدير هذه الشركة، لي بو، أن “البلوكتشاين سوف تصبح في المستقبل محركا هاما لدفع تطور قطاع التأمينات، إذ أن التأمينات القائمة على البلوكتشاين سوف تحدث تغييرات في هذا القطاع خلال المستقبل القريب، لكي تصبح جزء أساسيا من هذا المجال، وربما ستؤدي لإعادة تشكيله بشكل كامل ودائم”.
وفي ظل هذه التطورات، ماذا لو اعتمدنا نحن الأوروبيون أيضا إستراتيجية هجومية في هذا المجال؟
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.