تزايدت مؤخراً الدعوات من أجل تنظيم سوق العملة المشفرة، التي اقتربت فيها قيمة التعاملات بخطى حثيثة نحو ما يقارب تريليون دولار. لكن ما يصعب عملية التنظيم هذه هو عدم وجود رأي متفق عليه حول الطريقة أو الآلية، إذ تختلف الآراء حول أشكال التنظيم التي يجب اتخاذها.

وإذا كان التوجه نحو خطة حكومية للتنظيم قد أخذ منحى جاد، فإن القائلين باتباع نهج تنظيمي واضح ومنسق تجاه العملة المشفرة لهم الأفضلية التامة. وهو ما من شأنه أن يزيد من تدفق رأس المال المؤسسي إلى هذه السوق ويعزز من تحكم الشركات في تجمعات العملات المشفرة.

لكن، يكمن التحدي بالنسبة للمنظمين في الموازنة بين حماية المستثمرين والاستقرار النظامي، مع الحاجة إلى حماية ملكة الابتكار وتشجيع تكوين رؤوس الأموال عبر مختلف النظم القانونية.

أما في الوقت الحاضر، تشهد البيئة التنظيمية لسوق العملة المشفرة وضعية مرتبكة، نظرا للتباين السريع في تنظيم المعاملات المشفرة بين مختلف التقاطعات القضائية.

فاليابان مثلا، على الرغم من  منهجها التدقيقي، إلا أنها تعتبر بلدا منفتحا، على عكس الصين التي تصنف ضمن الدول الأكثر صرامة في هذا المجال. وفي الواقع، تحتاج الحكومات السيادية إلى وضع أطر متماسكة للإشراف على سوق العملة المشفرة. ولكن، لن يتم توفير الحلول إلا من خلال التعاون الدولي.

تزايد المخاوف

نشأت العملة المشفرة كآلية بديلة للدفع عوضا عن العملات التقليدية، إلا أنه يتم تداولها الآن في البورصات الفورية كأصول استثمارية عالية القيمة.

في الفترة الأخيرة، أصبحت فرص التمويل الجماعي العرضية مثل عروض العملة الأولية، مثيرة للقلق. وتشمل هذه العروض المؤسسات الناشئة المستثمرة في العملة المعماة التي تقدم أسهم الاستثمار الأولية في شكل رموز مصدرة حديثاً.

عملت كل من الصين والفيتنام على حظر هذا النوع من المعاملات، أما اليابان فقد اتخذت موقفا أكثر تقبلاً، في حين اعتمدت المملكة المتحدة والولايات المتحدة نهج الانتظار والترقب. ومن جهة أخرى، لا توفر جمهورية جنوب أفريقيا، مثل العديد من البلدان النامية الأخرى، أي نوع من الحماية للمستثمرين في عروض العملة الأولية. وتعزى هذه الاستجابات المتباينة إلى التعريفات القانونية المختلفة للمعاملات المشفرة.

كما تعتمد الطبيعة الدقيقة لعروض العملة الأولية على هيكلتها وسياقها الذي يمكن أن يتغير بسرعة لما له من خصائص هجينة فيما يخص المعاملات المالية.

إلى جانب ذلك، يمكن أن يكون التعريف، وبالتالي التعامل القانوني، للرموز الصادرة بموجب عرض عملة أولي متنوعًا، شأنه شأن المعرفات المعتمدة بالنسبة للعملة التقليدية، أو السلع، أو الأمن، أو الملكية، أو القروض، أو الإيداع، أو عقد التأمين على المضاربة، أو عقد التداول الأجنبي. ومن الواضح أن الاتفاق على تصنيف للعملات المشفرة يُحدد استناداً على طريقة استخدامها، وهو من بين المهام الأكثر إلحاحاً التي تواجه الهيئات التنظيمية.

نحو تصنيف العملات المشفرة

وقال خبير العملات المشفرة، لورانس وينتيرماير، أنه يمكن تنظيم تكنولوجيا “دفتر الحسابات الرقمية” الموزعة، التي تُشغّل بطاقة الأصول الرقمية، حسب ثلاث خانات محتملة: العملات المشفرة، والبضائع المشفرة، والرموز المشفرة.

وأحياناً، تستغل شركات العملات المشفرة الطبيعة الموزعة لهذه الأصول التي تقبع داخل دفاتر حسابات رقمية تابعة لمالكي رموز متعددين، لتدعي بأنه لا يوجد مصدر لتخريج الرموز. كما تجادل هذه المؤسسات بأن هذه الأصول ليست أوراقا مالية، لذلك لا ينبغي إخضاعها لقوانين الأوراق المالية الخاصة بمنطقة قضائية معنية.

تجنب غسيل الأموال والجرائم المالية

يسمح هذا الارتباك عبر مختلف الحدود للشركات المالكة للرموز باختيار المقاطعات القضائية التي تضم قواعد مواتية لنشاطها، ما يمكن أن يسهل عمليات غسيل الأموال.

هناك خطوات قليلة يمكن للحكومات اتخاذها لسد هذه الثغرات، إذ ينبغي أن تدعم الاستثمار في التكنولوجيا التي تجعل من مصدر الرموز أكثر وضوحاً مع الحفاظ على تشفيرها. وفيما بعد، يمكن للمنظمين فرض معيار “مؤشر المنشأ”، ما من شأنه أن يصعب عملية نقل الأصول بصورة غير مشروعة.

الأطر الحالية والتنسيق العالمي

ولكن، ما الذي يمكن أن يبدو عليه النهج التنظيمي العالمي المنسق للعملات المشفرة؟

من المؤكد أن التنسيق من خلال قانون تنظيمي أو التوقيع الطوعي على اتفاق عالمي يمكن أن يمنع الشركات المالكة للرموز من اختيار المقاطعات التي تقدم لها الأفضلية القانونية بشكل اعتباطي. أما في حال عدم التوقيع على هذا التوافق، فإن الشركات الممانعة ستُطرد من سوق المعاملات.

ويمكن أن تكون مدونة سلوك متعددة الأطراف أو اتفاقية عالمية، مثل تلك التي تديرها فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية وغسيل الأموال، أو توافقا بتنسيق الأمم المتحدة، من الحلول النموذجية.

وتعد القواعد التنظيمية ذات أهمية خاصة بالنسبة لبعض محافظ العملة المشفرة داخل مجتمع الاستثمار. فعلى سبيل المثال، كانت هناك زيادة كبيرة في إنشاء صناديق الاستثمار التي تتطلع إلى الحصول على عروض عملة أولية نيابة عن المستثمرين المرموقين.

وفي المقام الأول، يمكن أن تساعد القواعد التنظيمية المستثمرين المنضبطين داخل نظام مؤسسي على التنظيم والقدرة على الإبداع. كما سيكون باستطاعة هؤلاء المستثمرين، على عكس المستثمرين في قطاع التجزئة، أن يتحملوا، بل ويستفيدوا، من تقلبات السوق على مر الزمن.

أما في الوقت الراهن، يمكن للمضاربة في سوق العملات المشفرة التي تُنظم بشكل سيئ، أن تقلل من إمكانية جعل هذه الأصول قيمة تداول عامة. وهذا يؤثر في نهاية المطاف على القيمة المحتملة للرموز عن طريق تضخيم التقلبات المالية.

إن الاهتمام بهذا الأمر مهم بالنسبة للمستثمرين والهيئات الرقابية وكذلك الجهات المصدرة للرموز. كما يجب أن يكون هناك قدر من التنظيم الذاتي من قبل الجهات المصدرة، فضلا عن حاجة الهيئات التنظيمية العالمية إلى التسريع في اتخاذ هذه الإجراءات.

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.