تخيل أن كل بياناتك الصحية توجد داخل نظام الـ “بلوكتشين“، وتقوم أنظمة الرصد وأجهزة “إنترنت الأشياء” بتحديث بياناتك تلقائيا. لذلك إذا ذهبت في أحد الأيام لإجراء يعض الاختبارات التشخيصية، سيتم تسجيل النتائج مباشرة دون تدخل طرف ثالث مثل مدغل البيانات إلى الحاسوب أو غيره.

وبسبب عدم إمكانية تغيير سجلات “بلوكتشين”، لا يمكن العبث ببياناتك الطبية، ويمكن الوصول لها من أي مكان دون الحاجة لنظام آخر، طالما تملك صلاحية الدخول. ويرتبط التأمين الطبي بالنظام أيضًا، لتسهيل الدفع تلقائيا من خلال العقود الذكية، وتُسجل بيانات التجارب الإكلينيكية تلقائيا أيضًا، حتى لا يمكن العبث بها.

نتيجة لهذا، ستحدث عملية تبسيط في مهام وآلية النظام بأكمله، من حيث تخفيض تكاليف نقل البيانات الطبية بين المؤسسات، وتخفيض تكاليف التدقيق والتحقق من البيانات، وتسهيل مراجعة الحسابات، ويمكن إنهاء هجمات فيروس الفدية على المستشفيات أيضًا، ويمكن تخفيض تكلفة الاحتيالات الطبية التي وصلت إلى  30 مليار دولار على مدار العشرين عامًا الماضية، لاستحالة تغيير البيانات.

الاستفادة من مزايا تقنية “بلوكتشين” لجعل السجلات أكثر أمنًا وكفاءة، بنظام كامل وبسيط وفعال ومتكامل، هو الحلم الذي يحلم به كثير من خبراء هذه التقنية المذهلة للرعاية الصحية.

لكن السؤال هنا: هل هذه الفكرة عملية؟

لا يمكن الحصول على الجواب قريبًا، كما هو الحال مع الكثير من حلول وتطبيقات “بلوكتشين”. فرغم أنه من المؤكد أن التقنية لديها إمكانيات هائلة لتغيير الأنظمة الصحية كليًا، ولكن الواقع هو أنها جديدة وغير مختبرة عمليًا.

كما أن نظم الرعاية الصحية تتكيف ببطء شديد، بالإضافة إلى أن 74% فقط من المستشفيات اعتمدت نظام السجلات الصحية الإلكترونية اعتبارا من عام 2014، ولذلك فإن أي شخص ينتظر تطبيق “بلوكتشين” سوف يسقط صريعًا قبل ذلك، وسيضطر في النهاية إلى التعامل مع الأنظمة الصحية القديمة.

حلم “البلوك تشين”

تمثل السجلات الطبية العديد من التحديات لنظم الرعاية الصحية، لأهمية البيانات وقيمتها، كما أن السجلات الطبية وسيلة مفيدة للاحتيال، ويمكن بيعها في السوق السوداء بمبالغ كبيرة، ولهذا يجب أن تكون الخصوصية والأمن هما أساس أي نظام، مع إمكانية الوصول التي يمكن تعارضها مع الاحتياجات السابقة، وتملك “بلوكتشين” وغيرها من تقنيات السجلات الرقمية كل سمات الحل الأمثل، فهي موفرة للأمن، وإمكانية الوصول المشفر، واستحالة العبث بها، وسد ثغرات النظام الحالي.

تحتاج منظمات الرعاية الصحية مثل المستشفيات وشركات التأمين إلى تبادل معلومات المريض لتسهيل الخدمات، والتحقق من صحة البيانات ودقتها وعدم حصول تلاعب، ويمكن لسجل دائم قائم على “بلوكتشين” حل هذه المشكلة تمامًا، ويمكن لمن يملكون حق الوصول التحقق من البيانات في أي وقت، وسيكون من السهل مراجعة هذا النظام وزيادة تبسيطه وفاعليته.

مشاكل “البلوك تشين” في الرعاية الصحية

يقدم الكثير من رواد الأعمال المرتبطين بـ “بلوكتشين” حلولاً كبيرة للمشاكل المعقدة، ولكن بعضها غير ملامس لواقع الأنظمة المراد تغييرها، ونقلت “Coindesk” عن “Alyssa Hoverson Schott”، الطبيبة في شركة “Sanford Health”، قولها: “من المستحيل أن يكون نظام الرعاية الصحية فورياً، مثل ما يريد المطالبون حالياً”، وأوضحت أن هذا بسبب عبء العمل الهائل الذي يخضع له الأطباء، وعدم وجود الوقت لتسجيل البيانات والنتائج على الفور إلى “بلوكتشين”.

قضية رئيسية أخرى، هي إمكانية احتكار أصحاب الشبكات وصعوبة نقل البيانات بين شبكة وأخرى للتكلفة الكبيرة.

كما أن البنية التحتية لـ “بلوكتشين” لم تصل لمرحلة تحَمُل شيء هام بحجم السجلات الصحية للمواطنين.

وبعيدًا عن البيتكوين، فإن تطبيقات تقنية “بلوكتشين” ما زالت قيد الاختبار منذ سنوات قليلة في معظم القطاعات، وعند الأخذ في الاعتبار أهمية السجلات الصحية، وإمكانية خسارتها بسبب تقنيات جديدة، مع بطء التطور في التقنيات الصحية، فيبدو أن طريق الاعتماد على “بلوكتشين” سيصبح طويلا.

واقع “البلوك تشين” في الرعاية الصحية

تهدف هذه المقالة إلى أن تكون واقعية وليست متشائمة، من السهل أن تضيع وسط كل هذا الضجيج حول “البلوك تشين” وتفقد تماما الرؤية، وقد يؤدي هذا إلى ضرر بالغ بصناعة الـ “البلوك تشين”، في حين أن حل الرعاية الصحية القائم على “البلوك تشين” متكامل تماما في مكان ما على أفق واسع بين الأحلام والواقع، وهناك بعض التطبيقات الفردية التي قد نرى الكثير منها في وقت قريب.

مصادر الأدوية

في حين أنها قد لا تكون مشكلة كبيرة في العالم المتقدم، فإن بعض البلدان لديها قضايا هامة مع الأدوية المزيفة، واقترحت شركة “Accenture” الجمع بين “البلوك تشين” وتكنولوجيا إنترنت الأشياء لتتبع الأدوية، والتأكد من أنه لم يتم العبث بها، وفي العالم النامي، قد يكون من الصعب الوثوق بسلسلة التوريد، لذا فإن استخدام “distributed time-stamping” (إحدى تقنيات البلوك تشين) على هذه المنتجات يمكن أن يضمن أنها حقيقية، وهذا بدوره يمكن أن ينقذ الأرواح.

لا مركزية قواعد بيانات المرضى

أصبحت اختراقات البيانات الطبية أكثر شيوعا في السنوات الأخيرة، وأحد أسباب هذا الارتفاع الهائل في سرقة البيانات الطبية هو أنه مع نقل السجلات الصحية الإلكترونية، يتم تجميع الكثير من هذه البيانات في قواعد البيانات المركزية، التي يمكن أن تحتوي على ما بين 5 إلى 10 ملايين من السجلات، ما يجعلها هدفًا ضخمًا للقراصنة.

يوضح “Adrian Gropper” الرئيس التنفيذي لتكنولوجيا حماية حقوق خصوصية المريض، أننا بحاجة إلى اللا مركزية بحيث لا يتمكن القراصنة من سرقة العديد من السجلات في وقت واحد، ويقترح أيضًا جعل قواعد البيانات أصغر وأن تحتفظ بسجلات لطبيب واحد أو مجتمع واحد، بدلا من الملايين من الناس، مما يمنحها التنوع ويجعلها أصعب على المخترقين.

السجلات الصحية في أستونيا

في ما قد يكون أوضح شرح على مستقبل تكنولوجيات “بلوكتشين” والرعاية الصحية، شاركت مؤسسة الصحة الإلكترونية الأستونية مع الشركة الناشئة لأمن البيانات “Guardtime”، لتطوير نظام قائم على “البلوك تشين” يضمن السجلات الطبية لأكثر من مليون مريض، ويقوم بإنشاء شفرات جديدة توضح قيم التغيير الحادث مع كل تعديل جديد على البيانات، مع عدم الاحتفاظ بالبيانات نفسها على الشبكة، وفي حين أن المشروع ليس بالكمال الذي يحلم به المتعصبون لـ “البلوك تشين”، ولكنه يوضح إمكانيات التقنية الجديدة، كما أننا بحاجة إلى الاعتراف ببطء وتيرة التقدم التكنولوجي في القطاع الصحي.

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.