لا شك في أن التساؤل حول ماهية البلوكتشين، والدور الذي ستلعبه في تحديد ملامح مستقبل الأعمال، منطقيٌ. فتعتبر البلوكتشين دفتر حساباتٍ موزعًا إلكترونيًا، أو بالأحرى لائحة من الإدخالات التي تتم عبر شبكةٍ من الحواسيب، ويمكن أيضًا تشبيهها بدفتر حساباتٍ موزعٍ للأسهم.
ويبدو جليا أن هناك إجماعًا عامًا في أوساط المستثمرين ورواد الأعمال على أن تكنولوجيا البلوكتشين سيكون لها مستقبلٌ واعدٌ أكثر من عملة البيتكوين، وفق ما ذكر موقع إنتربرنور.
وفي ما يلي خمس طرق ستؤثر بها البلوكتشين على طريقة إدارة أعمالنا، مع اضطلاعها بتغييرات جذرية في بعض الأحيان.
1 ـ المحاسبة
تعتبر المحاسبة موضوع دراسة النظم المتعارف عليها لحقل الأعمال التي تستفيد من تكنولوجيا البلوكتشين، حيث أن قانون الضرائب معقدٌ للغاية، فضلا عن كثرة التحديات المتعلقة بإدارة العمليات التجارية في المواقع النائية، بالإضافة إلى الحاجة الملحة لتحري الدقة.
ومثل هذا التأثير مادةً دسمةً تناولها الكاتب كين تيزياك في عدد حديث من “مجلة المحاسبة“، حيث قال إن “شفافية البلوكتشين تتيح إمكانية الإطلاع على جميع المعاملات التي يقوم بها المستخدمون، وهو ما قد يقلل من عمل مراجعي الحسابات فيما يتعلق بأخذ العينات والتحقق من المعاملات”.
وتابع: “ما يمنح المراجعين المزيد من الوقت للتركيز على الضوابط والتحقق من الحالات الشاذة. وفي الوقت ذاته، ستُتاح للمحاسبين القانونيين العديد من الفرص لاستخدام تكنولوجيا البلوكتشين، لأنها تخول لهم توسيع نطاق خدمات الضمان التي يقدمونها لتبلغ مجالاتٍ جديدةٍ مثل الأمن السيبراني والاستدامة”.
وفي حين يعمد التوأمان وينكلفوكس والعديد من المستثمرين الآخرين إلى الاعتماد على العملات الرقمية لزيادة ثروتهم، فإن وراثة أصول مالية كثيرة أو الفوز باليانصيب تظل الفرص الأفضل لاكتساب الثروة بالنسبة للأشخاص العاديين. ويمكن لتكنولوجيا البلوكتشين أن تلعب دورًا هامًا في هذا المجال، مع الإشارة إلى أن فرص الفوز بالجائزة الكبرى في لعبة باور بول Powerball jackpot تبلغ واحد على 175.2 مليون محاولة.
2 ـ الإعلان والتسويق
تتوقع مجموعة جونيبر Juniper للأبحاث فقدان وكالات الإعلان لما يقارب 19 مليار دولارٍ لصالح الأنشطة الاحتيالية خلال السنة القادمة، وهو ما يعادل 51 مليون دولارٍ في اليوم.
ومن المتوقع أن يصل هذا المبلغ، الذي يمثل الإعلانات على الإنترنت والأجهزة المحمولة، إلى 44 مليار دولار بحلول سنة 2022. ويمكن للتكنولوجيا التي تستخدم البيتكوين وغيرها من العملات الرقمية أن تساهم في الحد من “النقر الاحتيالي”، وضمان توصل مديري التسويق والإعلان إلى أسواقهم المستهدفة.
وشرح أمير جان ماليك، خبير التسويق الرقمي في شركة أكسنتشر انتراكتف هذا التوجه، قائلا “نحن نرى أن مبادئ البلوكتشين، التي تم تطويرها في السابق لمنع الاحتيال في القطاع المصرفي، يمكن تطبيقها في شراء الوسائط الإعلامية المبرمجة”.
كما أن استخدام نظام البلوكتشين لمراقبة وتنظيم إنفاق الميزانية، يمكّن المعلنين من تتبع عملية الاستثمار انطلاقًا من النقل المبدئي لميزانية وسائل الإعلام، وصولا إلى عملية النشر النهائي للمحتوى من قبل مالك وسائل الإعلام، مما يقلل من مخاطر دفع مبالغ باهظة وقصور الأداء.
3 ـ الموارد البشرية:
وفقًا لجمعية إدارة الموارد البشرية، ستعمل تكنولوجيا البلوكتشين قريبًا على تحديث عمليات التوظيف، مما سيسمح للمتخصصين في الموارد البشرية بالتحقق بسرعة من أوراق اعتماد المرشحين للوظائف، فضلا عن الموظفين الحاليين.
كما تتنبأ الجمعية بأن أنظمة البلوكتشين يمكن أن “تقلل من فرص تدخّل شركات الطرف الثالث التي تقدم بياناتٍ تاريخيةً غير دقيقةٍ عن مرشحٍ أو موظفٍ حالي، لأن هؤلاء الأفراد يساهمون ويتحكمون في بيانات تم التحقق منها بالفعل من قبل أطراف متعددةٍ”.
من جانب آخر، يمكن أن تؤثر تكنولوجيا البلوكتشين في عملية دفع الرواتب، خاصةً في الشركات متعددة الجنسيات أو الشركات التي تملك طواقم من الموظفين الأجانب، حيث يمكن لهذه التكنولوجيا التعامل بسهولةٍ مع المرحلة الختامية لأي عملٍ (دفع الرواتب) من خلال تبسيط وتوحيد المبالغ المدفوعة بعملاتٍ متعددةٍ.
4- تكنولوجيا المعلومات والأمن السيبراني
كشفت عملية خرق البيانات، التي حظيت بتغطيةٍ إعلاميةٍ كبيرةٍ، واستهدفت كلًا من شركة ياهو وإيكويفاكس وتارغت، مئات الملايين من الأسماء والعناوين، وتواريخ الميلاد، وغيرها من المعلومات. ونتيجة لذلك، تصب جميع الشركات في العالم جل اهتمامها على كيف يمكنها حماية الشبكات، وأجهزة الكمبيوتر، والبرامج، والبيانات من الهجمات والاختراقات، لتجنب جميع الأضرار التي قد تنجم عنها.
وقال المدير الإداري لشركة ديلويت الأمريكية ديفيد تشاتسكي، أنه من المحتمل أن استخدام تقنية بلوكتشين سوف يساهم في إحداث ثورةٍ في سوق الأمن السيبراني العالمي، الذي تبلغ قيمته 122 مليار دولارٍ.
كما أشار تشاتسكي إلى أن “تكنولوجيا البلوكتشين توفر طريقةً لتسجيل المعاملات أو أي تفاعلٍ رقمي بطريقة آمنةٍ وشفافةٍ، فضلًا عن كونها تعد من التكنولوجيات التي تتسم بقدرةٍ كبيرةٍ على مقاومة جميع الانقطاعات المتوقعة، وقابليةٍ للمراجعة، وكفاءة شديدةٍ”.
وتُشكل هذه الميزات حجر الأساس لأي نظامٍ فعالٍ للأمن السيبراني، حيث تستقطب هذه القدرات اهتمام شركة لوكهيد مارتن وحتى وزارة الدفاع الأمريكية. وفي الوقت الحالي، تدرس الجهتان المزايا التي يمكن أن توفرها تكنولوجيا البلوكتشين فيما يتعلق بمسألة حماية الملكية الفكرية والمعلومات التي تتعلق بالأمن القومي.
5- الإدارة والعمليات
منذ تأسيسها قبل 129 سنةً، كانت شركة إيستمان كوداك Eastman Kodak تتنافس مع العصر الرقمي للهواتف الذكية. ووجدت الشركة القديمة طريقةً لإعادة تجديد نفسها عن طريق إطلاق مشروع بلوكتشين جديد، حيث ستقوم منصة إدارة “كوداك وان KODAKOne” بإنشاء دفتر الأستاذ الرقمي المشفر لملكية الحقوق.
ويمكن للمصورين تسجيل كل أعمالهم الجديدة والقديمة، ثم ترخيصها داخل النظام الأساسي. ويسمح هذا النظام للمهنيين بالمشاركة في اقتصاد جديدٍ للتصوير الفوتوغرافي، وضمان عملية دفعٍ آمنةٍ، تساعدهم على ترخيص أعمالهم على الفور عند بيعها وعرضها على منصة البلوكتشين.
كما تسعى تقنية البلوكتشين إلى تغيير كيفية إدارة الشركات لأعمالها في الكثير من الصناعات الأخرى. وقد ساهمت هذه التكنولوجيا في خلق كفاءاتٍ تشغيليةٍ وفرصًا جديدةً حتى في الأسواق النامية، التي أثارت خوف المستثمرين منذ فتراتٍ طويلةٍ، بسبب التضخم المالي وحالة عدم الاستقرار السياسي التي تعيشها، فضلًا عن جرائم الفساد المتفشية فيها.
وأطلقت شركة ناغري تاك العالمية، المتخصصة في الزراعة العضوية، التي تهدف إلى تحسين المحاصيل في الأسواق النامية، عملةً رقميةً لتسهيل المعاملات المالية في الدول التي تعاني من مؤشرات تضخمٍ مرتفعةٍ وتقلبٍ في قيمة العملة، التي تجعل من عملية حصول المزارعين والمنتجين على قروضٍ ائتمانيةٍ أمرًا صعبًا.
ماذا بعد ذلك؟
بالنسبة للمؤسسات الرائدة في مجال تكنولوجيا البلوكتشين، فهم يعيشون ما عاشه وادي السيليكون Silicon Valley في أوائل تسعينيات القرن الماضي، الذي كان يتسم بمزيجٍ قويٍ من الأفكار العظيمة، واختلاط الأموال الذكية والأموال الغبية، فضلًا عن ظهور الشخصيات الأيقونية التي تتسم بالعقل والتباهي في الوقت ذاته. وكان هناك شعورٌ قويٌ بأن الإنترنت يمكن أن تغير الكثير من المعطيات.
وتحظى تكنولوجيا البلوكتشين بنفس القدرات التي تتمتع بها شركات سيليكون فالي Silicon Valley، حيث تقتصر تطبيقاتها العملية فقط على خيال وجهد رواد الأعمال وأصحاب الرؤى الذين يريدون استخدام تكنولوجيا البلوكتشين لتحويل شركاتهم. وكذلك، سوف يستفيد القادة الذين يقومون بتحركات استراتيجية في هذا المجال بشكل كبير من هذه الثورة التكنولوجية، ما يعني توقفهم عن اعتماد نماذج الأعمال التجارية التقليدية.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.