بعيداً عن أزمة بينانس وFTX، فإن البيتكوين وجميع العملات الرقمية المشفرة لم تستغل فرصة خروج مؤشر الدولار الأمريكي من اتجاهه الصاعد رسمياً، وتحديداً بعد بيانات التضخم يوم الخميس 10 نوفمبر/تشرين الثاني.
فقد أتت بيانات مؤشر أسعار المستهلكين CPI للولايات المتحدة الأمريكية على أساس سنوي أقل من المتوقع بنسبة 7.7% بدلاً من 8%، وهو ما يُعد تراجعاً ملحوظاً في معدلات التضخم في الولايات المتحدة الأمريكية.
ومع صدور بيانات التضخم تفاعل فوراً مؤشر الدولار الأمريكي وخرج من اتجاهه الصاعد رسمياً الممتد منذ شهر مارس/آذار العام الماضي.
هذه البيانات أعطت إشارة بأن التضخم توقف عن الذروة وبدأ بالانحدار في مساره، وهذا يعطي الضوء الأخضر للبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بأن يقلل من وتيرته في سياسته النقدية التشددية، من خلال رفع معدلات الفائدة بشكل حاد.
وأيضاً أعطى الضوء الأخضر لأغلب الأصول باستثناء العملات الرقمية المشفرة في التحرك بالاتجاه الصعودي مقابل الدولار الأمريكي. بعد بيانات التضخم ليوم الخميس الماضي، كسر مؤشر الدولار الأمريكي الدعم 109، وحالياً يزور مستويات فوق 105.
بالمقابل، شاهدنا ارتفاع عملة اليورو إلى مستويات 1.0480 أمام الدولار الأمريكي، وأيضاً بقية العملات ارتفعت أمام الدولار الأمريكي كالجنيه الإسترليني والين الياباني. كما اقترب المؤشر الصناعي “داو جونز” من مستويات 34 ألف نقطة، وارتفع الذهب إلى مستويات 1780 دولاراً أمريكياً للأونصة الواحدة
على الجهة المقابلة، شاهدنا استمرار نزيف قيمة جميع العملات الرقمية المشفرة وفي مقدمتها البيتكوين، الذي يترنح حالياً بين 15 و16 ألف دولار أمريكي.
أيضاً يوم الثلاثاء 15 نوفمبر/تشرين الثاني، صدرت بيانات مؤشر أسعار المنتجين للولايات المتحدة الأمريكية PPI على أساس شهري لشهر أكتوبر/تشرين الأول. كان المتوقع أن يكون 0.4%، لكن أتت الأرقام أقل من المتوقع بقيمة 0.2%.
أيضاً أتت بيانات مؤشر أسعار المنتجين للولايات المتحدة الأمريكية باستثناء الغذاء والطاقة على أساس شهري لشهر أكتوبر/تشرين الأول بنسبة 0%، في حين كان المتوقع 0.3%. وجاء مؤشر أسعار المنتجين على أساس سنوي بنسبة 8% وهي أقل من المتوقع بنسبة 0.3%.
كل هذه أدلة بأن التضخم بدأ ينحسر؛ لأن بيانات مؤشر أسعار المستهلكين CPI ومؤشر أسعار المنتجين PPI أتت منخفضة وأقل من المتوقع، مما عمق هبوط مؤشر الدولار الأمريكي متأثراً بهذه البيانات.
ومن المهم جداً أن نرى الأسواق من كل الجوانب، وعلينا ألا نغفل عن تصريحات أكثر من عضو في البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وأيضاً تصريحات وزيرة الخزانة الأمريكية ست جانيت لويز يلين، الذين أوصوا بالاستمرار في محاربة التضخم، من خلال رفع معدلات الفائدة والاستمرار بنفس الوتيرة التشددية، وعدم الاستهانة بمعدلات التضخم لأنها لحد هذه اللحظة مرتفعة.
لذلك أرى شخصياً أنه في أي لحظة من الممكن أن نرى “ريمونتادا” من قبل مؤشر الدولار الأمريكي، وهذا الأمر غير مستبعد لأن الأسواق تعيش في حالة تخبط وتقلبات حادة جراء أزمات متعددة.
وإذا حصل هذا الأمر، فالعملات الرقمية المشفرة ستتعرض لموجات هبوطية حادة أكثر وستعمق جراحها أكثر، ولا أستبعد أن نرى البيتكوين يزور مستويات 12 ألف دولار أمريكي وربما 10 آلاف دولار أمريكي.
وتترقب الأسواق حالياً ماذا سيفعل البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في الشهر القادم، وتحديداً يوم 12 ديسمبر/كانون الأول، وإذا ما كان سيرفع 50 نقطة أساس أم سيستمر كالعادة بـ75 نقطة أساس. لأنه في حال تم تقليل وتيرة التشديد برفع نسب معدلات الفائدة إلى 50 نقطة أساس، يُعد ذلك خبراً ساراً للعملات الرقمية المشفرة وربما تعطي فرصة للعملات الرقمية المشفرة للتماسك والانطلاق مرة أخرى باتجاه صعودي في عام القادم.
أزمة ثقة
اللافت أنه لأول مرة منذ فترة ليست بقصيرة، لم نعتَد أن نرى العملات الرقمية المشفرة وفي مقدمتها عملة البيتكوين لا تتفاعل أمام ضعف مؤشر الدولار الأمريكي، ولا تستغل هذا الضعف.
أرى أن ذلك يعود إلى أزمة الثقة التي تمر بها العملات الرقمية المشفرة متأثرة بأزمة منصة FTX. أيضاً هناك عدة منصات مختصة بمجال تداول العملات الرقمية المشفرة مهددة بالإفلاس، وأن يكون مصيرها مصير منصة FTX، و لهذه الأسباب، تتواجد مخاوف لدى المتداولين والمستثمرين مع حالة فقدان الثقة في العملات الرقمية المشفرة.
أصوات النشاز
خرجت مؤخراً بعض الأصوات النشاز التي لا تفقه شيئاً في عالم العملات الرقمية المشفرة، وصرحت بأنه بعد الهبوط الأخير للعملات الرقمية المشفرة، فإن العملات هي مجرد فقاعة لا أكثر ولا وجود أساس وقيمة حقيقية لها.
بكل تأكيد هذا الكلام غير منطقي جملة وتفصيلاً، لأن العملات الرقمية المشفرة أصبحت واقع حال في أسواق المال، وعلى الجميع أن يقتنع بأن العملات الرقمية المشفرة إن كانت ضعيفة كما هي الآن أو إن كانت في أوج عطائها كما كانت في زمن فيروس كورونا، فإنها أصبحت جزأ لا يتجزأ من الأصول المالية في عالم أسواق المال.
ليست هذه المرة الأولى تمر العملات الرقمية بأزمات كهذه، بل هي معتادة ومتعايشة مع مثل هذه الأزمات، لأن بالأساس العملات الرقمية المشفرة ديناميكيتها مبنية على التقلبات والتذبذبات الحادة.
المستثمرون المحترفون
نرى الآن المستثمرين المحترفين في العملات الرقمية المشفرة وهم مترقبون بشدة لهبوط العملات الرقمية المشفرة، ومن ضمنها البيتكوين، من أجل اقتناص الفرص الشرائية في مراكز القاع، وبيعها عند وصولها إلى القمم مرة أخرى في العام القادم أو لعام 2024.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.