أعلنها جيمي دامون صراحةً في خطابه السنوي لمساهمي JP Morgan Chase، حيث قال إن “تقنيات التمويل اللامركزي والبلوكتشين واقعٌ حقيقي”، بحسب ما نقلته مجلة Forbes الأمريكية. 

وهو ما أثار بعض التعليقات في دوائر التشفير نظراً لتصريحه السابق عندما قال: “لا يعنيني أمر عملة البيتكوين (BTC). ولست مهتماً بها”. لكنني أعتقد أن بإمكاننا القول إن عملية تحويل الأشياء إلى توكنات (الترميز) ستمثل مجالاً ضخماً، وإن بروتوكولات التمويل اللامركزي سيكون لها دورٌ حقيقي في الجيل الجديد من الخدمات المالية، مع شكوكٍ متزامنة في أن العملات المشفرة ستلعب دوراً رئيسياً.

تمويلٌ لا مركزي بدون بيتكوين؟ لا شك أن الآراء منقسمةٌ في هذا الصدد. لكن لم يتضح لي بعد ما إذا كانت عملة البيتكوين هي العملة الطوباوية العالمية للمستقبل، بينما أعتقد أن التجارب الجارية في عالم التمويل اللامركزي ستُمهّد مع الوقت طرقاً جديدة لممارسة الأعمال التجارية في القطاع المالي.

ولا أرى في موقفي هذا أي تناقض؛ بل أعتقد أن موقفي يوافق آراء كبار الأطراف الفاعلة في مجال الخدمات المالية الرائجة؛ إذ قال نائب رئيس مصرف State Street عرفان أحمد مؤخراً إن العملات المشفرة لم تدخل للتو في “شتاء التشفير”، بل دخلت “دوامةً قطبية”. ومع ذلك يعمل مصرفه وغيره من المصارف الاستثمارية حالياً على استخدام تقنيات السجلات الموزعة لبناء أسواق جديدة قيمتها تريليون دولار وتعتمد على تمثيلات رقمية (أي توكنات) مرتبطة بأصول ثابتة في العالم الحقيقي، بدلاً من الارتباط بالعملات المشفرة القائمة على المضاربة.

ولا وجود للمفارقة هنا على الإطلاق؛ إذ ستستخدم الأسواق المؤسسية البنية التحتية الجديدة بنهاية المطاف لتداول السندات والذهب والكربون في صورةٍ رقمية. وستفعل ذلك بغض النظر عما إذا كانت العملات المشفرة ستنجو من عاصفة التنظيم، وعملات البنوك المركزية الرقمية، والمدفوعات الفورية، والهوية الرقمية أم لا. ولن يتوقف الأمر عند ترميز السلع وتداولها بدون تسويات. إذ ستعمل المصارف على ترميز مختلف أشكال الضمان، مثل سندات الملكية، باستخدام هذه التقنية. وأوضح بنك التسويات الدولية في نشرته الحالية أن “الإقراض بالتمويل اللامركزي يجب أن يتجه إلى ترميز أصول العالم الحقيقي على نطاقٍ واسع، إلا إذا أراد أن يظل مجرد منظومة ذاتية المرجعية وتغذيها المضاربة”.

بينما تحدث تايرون لوبان، مدير أصول أونيكس ديجيتال في JPMorgan، بالتفصيل عن خطط التمويل اللامركزي المؤسسية في المصرف وسلط الضوء على حجم القيمة المنتظرة للأصول المُحوّلة إلى توكنات. وأوضح أن الأصول بمختلف أنواعها يمكن تحويلها إلى توكنات، بدايةً من سندات الخزانة الأمريكية ووصولاً إلى أسهم الأسواق المالية. ويمكن استخدام هذه الأصول كضمان في مجمعات التمويل اللامركزي لجذب تريليونات الدولارات إلى التمويل اللامركزي، “حتى نتمكن من استخدام تلك الآليات في التداول، والاقتراض، والإقراض على نطاقٍ يوازي الأصول المؤسسية”.

ابتكارٌ حقيقي

نحن أمام قطاع جديد كلياً للخدمات المالية، وسيكون هذا القطاع مهماً؛ إذ أشارت صحيفة The Economist البريطانية إلى أن التوكنات بإمكانها توفير تمثيلٍ رقمي لأي شيء تقريباً، “وبالتالي يمكن أن تصبح حلاً فعالاً لمختلف أنواع المشكلات المالية”؛ حيث إن استخدام التوكنات يعني بيئة تداول منخفضة التكلفة بعيداً عن أي شيء، ولهذا ترغب الجهات الكبرى في استخدامها بمجرد استقرار بيئتها التنظيمية”.

وقال توماس زشاش، رئيس الابتكار في شبكة سويفت SWIFT: “لا تتعامل المؤسسات المالية المعاصرة عادةً مع الأصول الرقمية بدون أذونات نتيجة حالتها غير المنظمة ومجهولية هويتها… لكن العديد من المؤسسات المالية، والبنوك المركزية، وهياكل البنية التحتية السوقية، وغيرها من الجهات مثل سويفت تُجري اختباراتها على الأصول الرقمية حالياً -وخاصةً العملات الرقمية للبنك المركزي والأصول المُحوّلة إلى توكنات”.

لماذا؟ تقول شبكة سويفت إن الغرض هو الكشف عن فرص جديدة لزيادة الكفاءة، وتقليل التكلفة، وتشجيع الشمول المالي، ومواصلة تقديم قيمة إضافية للمجتمعات. وليست وجهة النظر هذه فريدةً من نوعها، بل تتجه إليها المؤسسات المتطلعة للمستقبل بسبب المال وليس الأيديولوجية طبعاً.

لكن ظهور التمويل اللامركزي المؤسسي سيتطلب بنيةً تحتية للهوية الرقمية، نظراً للحاجة إلى عمليات تحقق “اعرف عميلك” في الأسواق الشرعية. وبدأ هذا يحدث في بعض الأماكن، لكننا بحاجةٍ إلى بنية تحتية موسعة للهوية الرقمية إذا كنا نرغب في ربط التمويل اللامركزي بالعالم الحقيقي فعلاً.

ويرى تايرون أن سبيل المضي قدماً يعتمد على استخدام بلوكات (كتل) الهوية الرقمية، مثل بيانات الاعتماد القابلة للتحقق.

حيث تتمتع بيانات الاعتماد القابلة للتحقيق بميزةٍ مهمة، وهي الخصوصية.

وضوح الرؤية

تعتبر الشفافية من أهم الأسباب التي تدفعنا جميعاً للرغبة في رؤية نظامٍ مالي مُحدّث بعد أن أُعيد ابتكاره. ويكفينا النظر إلى المشكلات الأخيرة في عالم التمويل، مثل انهيار شركة Wirecard للخدمات المالية. إذ اعتادت حسابات الشركات إدراج أصول لا وجود لها ببساطة. وفي ظل عجز المدققين والجهات التنظيمية عن منع الأنشطة الإجرامية واسعة النطاق هنا، سيصبح من المنطقي التساؤل عما إذا كان بإمكان التقنية تقديم أداء أفضل. وأعتقد أن الإجابة هي نعم، لأن التقنية ستُلغي الحاجة للاعتماد على المدققين أو الوسطاء.

وتتمتع تقنية التمويل اللامركزي بمزايا بارزة، كما يتجلى من شتاء أو دوامة التشفير الحالية. إذ أشار آرثر هايس إلى أن بروتوكولات التمويل اللامركزي تمتلك دفاتر إقراض مهولة تحافظ على معايير الإقراض، وعناوين الطرف المقابل، ومعدلات التصفية بشفافيةٍ تامة. ويستطيع المراقبون تقييم مدى صحة هذه الدفاتر بشكل متواصل. ويستطيع المودعون أيضاً معالجة كافة المعلومات المرتبطة بصحة مختلف البروتوكولات قبل إيداع أموالهم فيها. وتجري تصفيات الأصول الضامنة تلقائياً في حال انخفاض قيمتها، حتى لا تتبقى أي ديون معدومة.

لكن الشفافية لا تعني أن كل شيء سيكون مرئياً للجميع طوال الوقت؛ إذ نشرت كلية وارتون ورقةً بحثية العام الماضي بعنوان “التمويل اللامركزي بعيداً عن الضجة DeFi Beyond The Hype”. وأشارت الورقة إلى احتمالية وجود بعض الشد والجذب بين زيادة الشفافية وقابلية التدقيق في السجلات الموزعة المشتركة، وبين خصوصية أصحاب المصالح؛ حيث إن قدرتي على فحص دفتر القروض الموجود على سجلٍ مشترك -لتحديد قدرتك على سداد ديونك- تختلف تماماً عن معرفتي بهوية الأطراف المقابلة في أعمالك التجارية.

ولا يُمكن أن تدار الأعمال التجارية بهذه الطريقة، لأن السرية ضرورية. ومن الضروري للشركات أن تحمي خصوصية عملائها ومورديها، ولا ترغب أيضاً في الكشف عن استراتيجياتها للمنافسين. وربما لا تناسب مجهولية الهوية الأسواق، لكن الشفافية الكاملة لا تناسب المشاركين فيها أيضاً. ولسنا بحاجةٍ إلى مجهولية الهوية الخاصة بشبكات البلوكتشين هنا، بل نحتاج إلى الخصوصية وسط بيئةٍ جيدة التنظيم. ويبرز هنا دور بيانات الاعتماد القابلة للتحقق. وفي حال تأسيس إطار الثقة الصحيح، سيسهل تقديم بيانات اعتماد تقول إنني مواطن أمريكي أكبر من 18 عاماً ولدي حساب وساطة مثلاً، دون إخبار العالم بهويتي.

وبهذا نصل إلى تكوين الرابط بين التمويل اللامركزي، وبيانات الاعتماد القابلة للتحقق، وهياكل الحوكمة التي تعزز الخصوصية. ويمثل هذا الرابط الوجهة المحتملة لحدوث الانفجار الكبير في عالم التمويل، وإنشاء عالمٍ جديد للخدمات المالية.

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.