العملات الرقمية المشفرة تعيش الآن تحت رحمة السياسات النقدية للبنوك المركزية، وفي مقدمتها البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والتي رفعت شعار تشديد السياسة النقدية، من خلال رفع معدلات الفائدة بشكل متوالي وبوتيرة سريعة؛ من أجل كبح التضخم المتفاقم.
ويعتبر رفع معدلات الفائدة من قبل البنوك المركزية السلاح الأكثر فتكاً في محاربة التضخم، ولكن أكثر المتضررين من هذه الإجراءات، هي العملات الرقمية المشفرة؛ إذ كانت العملات الرقمية المشفرة ومؤشر ناسداك من أكثر الأصول نزيفاً بسبب هذه التداعيات والإجراءات. لذلك يعتبران من الأصول عالية المخاطر حالياً.
مؤشر الدولار إندكس (DXY)
مؤشر الدولار إندكس (DXY) انتفض ضد جميع الأصول والعملات، وتحديداً بعد إعلان رفع نسبة الفائدة 50 نقطة أساس في الاجتماع الأخير للبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي؛ حيث لامس مؤشر 104 دولارات، مسجلاً أعلى مستوى له منذ جائحة فيروس كورونا.
ومؤشر الدولار متماسك على هذا المستوى منذ عدة أيام، في حين شاهدنا انهيارات لجميع العملات والمؤشرات أمام الدولار في الأيام الأخيرة، وشاهدنا كيف أن العملات الرقمية المشفرة نالت نصيب الأسد من هذه الانهيارات.
فقد ضغط الدولار على البيتكوين وبقية العملات الرقمية المشفرة بقوة، ففقدت العملات الرقمية المشفرة قيمتها منذ بداية عام 2022 بحوالي 640 مليار دولار أمريكي قبل حوالي أسبوع. وحتى هذه اللحظة لا يتوقف البيتكوين عن النزيف، فاقداً قيمته، مسجلاً 25 ألف دولار أمريكي.
من وجهة نظري، فإن العملات الرقمية المشفرة، وفي مقدمتها البيتكوين، ستكون إحدى ضحايا السياسات النقدية من قبل البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، الذي يرعى سياسة نقدية تشديدية بسبب مخاوف التضخم التي تتفاقم يوماً بعد يوم.
أصبح التضخم أكثر تعقيداً بعد أزمة روسيا وأوكرانيا التي أربكت اقتصادات العالم، مسببة ارتفاعات جنونية في أسعار الطاقة، وأيضاً سببت أزمة في الأمن الغذائي العالمي، مصطحبة معها ارتفاعات جنونية في أسعار المواد الغذائية.
لهذا أتوقع من نظرة أساسية (اقتصادية)، أن يستمر نزيف البيتكوين إلى تحت مستويات 20 ألف دولار أمريكي، مستهدفاً هذه المستويات حتى نهاية هذا العام.
أما من وجهة نظر فنية، نشاهد على المؤشر الفني RSI على الفريم الأسبوعي، أن مؤشر الدولار DXY يشهد حالة تشبع قوية، ولهذا ربما سنشهد تصحيحات على الدولار قبل أن ينطلق مرة أخرى. وفي حينها من الممكن أن تتنفس العملات الرقمية المشفرة، وفي مقدمتها البيتكوين، قبل أن تواجه موجة بيعية أخرى.
وبتصوري فإن أي ارتفاع للبيتكوين وبقية العملات الرقمية المشفرة ما هو إلا تصحيحات لا أكثر، قبل أن يبدأ الدولار فورانه مرة أخرى ومعاودة الارتفاع، مستهدفاً مستويات 107، كما نلاحظ كيف تأثر مؤشر ناسداك الذي فقد كثيراً من قيمته.
الآن مؤشر ناسداك يتداول بمستويات تحت 12 ألف نقطة، وتحركات العملات الرقمية المشفرة مرتبطة مع مؤشر ناسداك بنسبة كبيرة، والاتجاه العام للعملات الرقمية المشفرة سيظل هابطاً حتى نهاية هذا العام.
شخصياً أتوقع أن يكون الاتجاه هابطاً هذا العام بنسبة تفوق 80%. البيتكوين وبقية العملات الرقمية المشفرة تعيش تحت ضغط رفع معدلات الفائدة طوال هذه الفترة، ولهذا لست متفائلاً بأن يثور البيتكوين كما عوّدنا خلال هذه الفترة.
أما السيناريو البديل، وهو حدوث تغيرات وتقلب مسار هبوط البيتكوين، فهذا أمل ضئيل جداً، بحيث يكون حدثاً مشابهاً لأزمة جائحة فيروس كورونا نفسها.
لماذا على المتداول أن يكون التضخم نصب عينيه
لأن التضخم وصل إلى مستويات عالية جداً لم نشهدها منذ عقود؛ حيث وصل في الولايات المتحدة الأمريكية إلى 8.5%، وأيضاً في الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وصل إلى مستويات قياسية.
نلاحظ أنه بعد أن رفعت نسبة الفائدة بنسبة 50 نقطة أساس من قبل البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، لتصل إلى نسبة 1%، تزامن معه رفع نسبة الفائدة في البنوك المركزية الخليجية؛ لأن عملاتها مرتبطة بصورة مباشرة بالدولار الأمريكي، حتى البنك المركزي البريطاني رفع نسبة الفائدة بنسبة 25 نقطة أساس، لتصل إلى نسبة 1% قبل عدة أيام.
بسبب محاربة التضخم من قبل البنوك المركزية أتوقع أن البيتكوين في هذا العام سيعاني كثيراً وحتى العام المقبل، إلا في حال حدوث تطورات ومتغيرات أخرى. ولذلك استنتاجي يأتي بسبب هذه العوامل المؤثرة بأن البيتكوين لن ترجع أيامه الذهبية كما كان في زمن جائحة فيروس كورونا.
أغلب المستثمرين سيتجهون إلى الاستثمار في الدولار الأمريكي، بسبب توجه البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بتشديد سياسته النقدية، ولأنه من المأمول أن ترتفع نسبة الفائدة إلى نسبة 2% مع نهاية هذا العام. وبالتالي ترتفع عوائد السندات الأمريكية الآجلة لمدة 10 سنوات إلى 3%.
لماذا التضخم يعد عدواً لدوداً للعملات الرقمية المشفرة
العملات الرقمية المشفرة أصبحت ضحية محاربة التضخم من قبل البنوك المركزية؛ لأنه كلما زادت نسبة التضخم في الدول المتقدمة، سيكون رد فعل البنوك المركزية إزاء التضخم أشد من خلال بوابة تشديد السياسة النقدية عبر رفع نسبة الفائدة بوتيرة أسرع وبنسب أعلى.
هذا كله سيؤثر سلباً في جميع العملات الرقمية المشفرة؛ ما يؤدي إلى الاستمرار في استنزاف قيمتها.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.