لا يخفى على أحد أن سياسة البنك المركزي العراقي تجاه العملات الرقمية المشفرة، هي محاربة البنك المركزي للعملات الرقمية المشفرة وفي مقدمتها البيتكوين. هذه المحاربة تعود بداية إلى يوم 3 ديسمبر/كانون الأول 201‪7 عندما أصدر قرار من قبل البنك المركزي العراقي على موقعه الرسمي يحظر فيه البيتكوين.

وتضمن القرار الذي أعلن على الموقع الرسمي للبنك المركزي العراقي أن “عملة البيتكوين هي عملة إلكترونية افتراضية تتداول عبر الإنترنت فقط دون وجود مادي لها وتستخدم للشراء عبر الإنترنت وتدعم الدفع باستخدام بطاقات البيتكوين أو قد تحول إلى العملات التقليدية في بعض الأحيان، وبالتالي فهي تنطوي على مخاطر عدة قد تنجم من تداولها لاسيما فيما يتعلق بالقرصنة الإلكترونية والاحتيال، وعلى الرغم من عدم وجود رواج لها داخل العراق إلا إننا نؤيد إصدار هكذا تعميم بعدم استخدامها وإخضاع المتعاملين بها لأحكام قانون غسل الأموال رقم (39) لسنة 2015 والقوانين ذات العلاقة بهذا الخصوص”.

ويوحي لنا قرار البنك المركزي العراقي بحظره البيتكوين بأن أسبابه تعود لعدة أمور من ضمنها عدم درايتهم الكاملة بالعملات الرقمية المشفرة، وافتقارهم للمعلومات الكاملة حول موضوع العملات مشفرة في حينها. وبالفعل كان هناك ضبابية في حينها لدى الجميع ولم تكن العملات الرقمية المشفرة شائعة مثل ما بعد أزمة كوفيد-19.

وتم ذكر فقط عملة البيتكوين في القرار الذي صدر من قبل البنك المركزي العراقي، وكأنما البيتكوين عملة رقمية مشفرة وحيدة كانت في حينها. وبالطبع لم تكن البيتكوين العملة الرقمية المشفرة الوحيدة في حينها، وللعلم  في حينها كان توجد أكثر من ألف عملة رقمية مشفرة، أشهرها الإيثيروم والريبل، والآن تجاوز عدد العملات المشفرة 18 ألف عملة رقمية، حسب موقع coinmarketcap.

السبب الثاني يعود إلى مخاوف اختراق إلكتروني، وهذا يدل على عدم دراية البنك المركزي العراقي بتقنية اللامركزية وسلاسل الكتل (بلوكتشين) التي يستحيل اختراقها. وأما الاختراقات الإلكترونية للمنصات التابعة للعملات الرقمية المشفرة فهي ضئيلة جداً مقارنة بالسيولة العالية المستثمرة بالعملات الرقمية المشفرة. بل إن التزوير الذي يحدث بالعملات الورقية أضعاف مضاعفة ما يتم من اختراقات إلكترونية على العملات الرقمية المشفرة.

والسبب الثالث الذي أعلنه البنك المركزي العراقي والمتعلق بأن العملات الرقمية المشفرة فيها شبهات لغسيل الأموال، والعملات الرقمية المشفرة تعتبر ملاذاً أمناً لغسيل الأموال، لأنه لا أحد يستطيع معرفة من هو صاحب أو مالك هذه المحفظة المكونة من عدة عملات الرقمية المشفرة؛ لأنها تكتب على هيئة رموز مشفرة بدون كتابة اسم صاحب محفظة المعنية، ولهذا السبب يعتبر ملاذاً أمناً للغسيل الأموال.

صحيح أن البنك المركزي العراقي اصطف مع البنوك المركزية التي تحارب العملات الرقمية المشفرة، ولكن المفارقة أن أسباب البنك المركزي العراقي تختلف عن بقية بنوك المركزية.

لأن بقية البنوك المركزية التي حظرت التعامل بالعملات الرقمية المشفرة وتداولها، كان أحد الأسباب الرئيسية هي من أجل حماية العملة الرقمية التي تصدر من قبل هذه البنوك المركزية، وتكون خاضعة لسيطرتها، دولة الصين وعملة اليوان الرقمي نموذجاً.

وأحد أهداف إصدار العملة الرقمية الخاضعة للبنوك المركزية هو التخلص من البيروقراطية النقدية الورقية، وكذلك للحد من تزوير العملات الورقية.

بالمقابل نرى الدول الخليجية كالإمارات والبحرين، تتبع فيها البنوك المركزية سياسة معاكسة تماماً لسياسة البنك المركزي العراقي. فهذه الدول أفسحت المجال للشركات التي تعمل في مجال خدمات الأصول الافتراضية بفتح أفرع لها في البلاد. وهي لا تحارب العملات الرقمية المشفرة، بل العكس، فهي تستقطب رؤوس أموال من أجل الاستثمار فيها وتطوير البنى التحتية المالية الرقمية من أجل مواكبة العولمة المالية والاقتصادية.

وقرر البنك المركزي العراقي في شهر آذار/مارس الماضي، منع استعمال البطاقات والمحافظ الإلكترونية لغرض المضاربة والتداول بالعملات الرقمية المشفرة بجميع أنواعها.

والسؤال هنا: هل هذا القرار سيقف عائقاً أمام المتداولين والمستثمرين بالعملات الرقمية المشفرة؟

الجواب عن هذا السؤال أنه لن يتوقف المتداولون والمستثمرون بالعملات الرقمية المشفرة في العراق بالاستمرار في مضاربة العملات الرقمية المشفرة، لأنه يوجد هناك طرق بديلة للدفع بدلاً من البطاقات والمحافظ الإلكترونية الخاضعة للبنك المركزي العراقي.

ذلك يعود لنهضة التكنولوجيا التي نعايشها؛ لأن المنصات الخاصة بالعملات الرقمية المشفرة أصبحت عابرة للحكومات والحدود نتيجة التكنولوجيا الحديثة والعولمة الاقتصادية.

أيهما سينتصر التكنولوجيا أم البنك المركزي العراقي؟

الجواب بكل تأكيد التكنولوجيا، والدليل على ذلك أن حكومات دول متقدمة تقف عاجزة تماماً أمام مد العملات الرقمية المشفرة، والتخلص منها. فمن المستحيل أن يكون العراق قادراً وعلى رأسه البنك المركزي العراقي على الوقوف أمام العملات الرقمية المشفرة والتي ترعاها التكنولوجيا.

المحزن أن البنك المركزي العراقي لا يحاول مواكبة العولمة المالية والاقتصادية، والدليل أن قراراته لن تؤثر على المتداولين والمستثمرين بالعملات الرقمية المشفرة؛ لأنهم قادرون على الاستمرار بمزاولة التداول بالعملات الرقمية المشفرة رغم قرارات البنك المركزي العراقي المناهضة للعملات الرقمية المشفرة.

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.