مزارع تعدين البيتكوين.. أزمة عالمية

قبل أن نغوص في عالم مزارع التعدين لعملة بيتكوين، يجب أن أشرح لكم في البداية، ما هو التعدين Mining.

تستند عملة البيتكوين إلى نظام مشفر ومعقد، والحصول على العملة يكون من خلال تقنية سلاسل الكتل (بلوكتشين)، وعبر عملية التعدين، فمن خلال التعدين يتم استخراج وحدات عملة البيتكوين.

يتم التعدين من خلال حل مسائل خوارزمية (معادلات رياضية) معقدة، ولحل هذه المسائل الخوارزمية المعقدة، يجب أن تتوفر للمعدنين أجهزة كمبيوتر متخصصة بعمليات التعدين، وأن تكون ذات قدرات خارقة وعالية الكفاءة والمواصفات أيضاً.

هذه الأجهزة ثمنها مكلف مقارنة بأجهزة الكمبيوتر العادية، ويجب توفير أجهزة تكييف مع أجهزة الكمبيوتر، وأيضاً يجب أن تتوفر طاقة كهربائية كبيرة، لأن حل هذه المسائل المعقدة تستهلك طاقة كهربائية كبيرة.

انقسام المكافآت (Halving) في عمليات التعدين

إن المكافأة في عمليات التعدين في عملة البيتكوين، تنقسم إلى النصف كل أربع سنوات بشكل دوري، أي أن التعدين سيكون أكثر كلفة في المستقبل، وسيتم استهلاك الطاقة الكهربائية بشكل مضاعف مع مرور الزمن، تحديداً كل أربع سنوات.

هذا يسبب زيادة في كلفة الاستخراج لوحدات البيتكوين، وذلك بسبب انقسام المكافآت إلى النصف بشكل دوري، وأول انقسام حدث في عام 201‪2 ،وآخر انقسام حدث في عام 202‪0 ،والانقسام القادم سيكون في عام 202‪4، وسيكون هنالك 32 حدثاً للانقسام، والمتبقي منها 29 حدثاً للانقسام، وستستمر هذه العملية حتى عام 204‪0

وكلما زادت كلفة التعدين سيؤدي إلى ذلك تعظيم قيمة عملة البيتكوين. عملات البيتكوين التي تم تعدينها حتى الآن حوالي 90%، أي ما يقارب 18 مليوناً و900 ألف وحدة من أصل 21 مليون وحدة فقط، أي أن المتبقي لتعدينها 2.1 مليون وحدة.

أكبر مزارع لتعدين عملة البيتكوين في العالم تقع في أمريكا وفي روسيا وفي كازاخستان وفي الصين سابقاً. نسبة 50% من إجمالي عمليات التعدين حول العالم كانت تقع في الصين في السابق.

وبحسب تقرير أصدرته شركة Bitooda المتخصصة في العملات الرقمية المشفرة، كانت الصين في حينها وجهة للمستثمرين في مزارع تعدين البيتكوين، وذلك بسبب تكلفة الكهرباء المناسبة للمستثمرين في الصين.

أيضاً الصين هي من تصنع هذه أجهزة الكمبيوتر المتخصصة بعمليات التعدين وأجهزة التكييف، وبالتالي تكون أسعارها مناسبة للمستثمرين.

لكن الوضع تغير بعد أن قامت الحكومة الصينية قبل عدة أشهر بهجمات شرسة على العملات الرقمية المشفرة، ومن خلالها قامت بإغلاق مزارع تعدين البيتكوين في البلاد.

تعد الصين من الدول التي تحظر تداول وتعدين العملات الرقمية المشفرة وفي مقدمتها عملة البيتكوين، حيث فرضت الحكومة الصينية قيوداً صارمة على تداول وتعدين العملات الرقمية المشفرة، وتعد الصين حالياً من أكثر الدول محاربة للعملات الرقمية المشفرة، وذلك يعود لأسباب عدة.

أسباب حظر التعدين من قبل الصين

حظرت الصين تداول العملات الرقمية المشفرة لأسباب قومية ولحماية نظامها المالي، كي لا يكون النظام المالي خارج سيطرة بنك الشعب الصيني، وكذلك بسبب اليوان الرقمي المرتقب إصداره من قبل بنك الشعب الصيني.

لكن أهم الأسباب التي يجب ذكرها هي أن مزارع التعدين تضاعف استهلاكها للطاقة الكهربائية، مما شكل ضغطاً على الحكومة الصينية.

وأيضاً ارتفاع أسعار الوقود الاحفوري (الفحم والغاز والنفط)، أدى إلى ارتفاع كلفة الكهرباء في الصين، مما أثر على كثير من المصانع الصينية نتيجة هذا الارتفاع، مما عرقل عملها، وأدى إلى إغلاق بعض المعامل، مما أثر سلباً على نمو الاقتصاد الصيني.

وبسبب الانتقادات الحادة من قبل الحكومات وأيضاً من رجال الأعمال المؤثرين حول العالم مثل إيلون ماسك، الذين انضموا لهذه الانتقادات على عمليات التعدين لعملة البيتكوين، وذلك بسبب تأثيرها على البيئة، وبسبب استهلاكها كميات كبيرة من طاقة الكهربائية بما يقارب 0.05% من إجمالي الاستهلاك العالمي للكهرباء، بدأت دول عدة بحظر عمليات التعدين.

الآن، أصحاب مزارع التعدين يواجهون تحديات وعقبات أكثر من السابق، لذلك تعتبر كلفة الطاقة الكهربائية العمود الفقري للمستثمرين في تعدين البيتكوين.

وبعدما كانت الصين هي وجهة المستثمرين في مزارع التعدين، تم تغيير وجهة المستثمرين بمزارع التعدين من الصين إلى دول أخرى، وأصبحت الدول القريبة من الصين هي الوجهة المناسبة لهم لأسباب عدة.

كان النصيب الأسد من هذه الدول هي دولة كازاخستان، وأصبحت الولايات المتحدة الأمريكية هي من تتصدر بعد قرار الحظر التعدين في الصين، وحالياً دولة كازاخستان في المركز الثاني بعد الولايات المتحدة الأمريكية في التعدين بعملة البيتكوين.

الاضطرابات التي حدثت مؤخراً في كازاخستان سببت أزمة كبيرة في البلاد، وأثرت هذه الأزمة بشكل مباشر على سوق العملات الرقمية المشفرة، وذلك يعود لأهمية ومكانة كازاخستان المؤثرة في مجال تعدين بعملة البيتكوين.

وكذلك البنك المركزي الروسي اقترح مؤخراً في حظر تداول العملات الرقمية المشفرة وحظر التعدين بعملة البيتكوين أيضاً، ولكن لحد هذه اللحظة الاقتراح لم يُنفذ.

الطاقة الكهربائية الرخيصة

الطاقة الكهربائية الرخيصة تعد عامل جذب للمستثمرين في مناجم التعدين بالبيتكوين، ولذلك يعتمد المستثمرون في العملات المشفرة على الطاقة رخيصة التكلفة، لأنه كلما كانت تكلفة التعدين أقل، كانت أرباح عملية استخراج عملة البيتكوين أعلى.

ولذلك إحدى الركائز الأساسية للاستثمار في التعدين هي توفير كميات كافية من الطاقة الكهربائية وبكلفة رخيصة. ولأن الطاقة الرخيصة ذات أهمية كبيرة لدى المستثمرين في تعدين العملات الرقمية المشفرة، يجب أن نعلم أن كلفة استخراج عملة البيتكوين متفاوتة من دولة إلى دولة، وتعتمد على كلفة الطاقة الكهربائية ودعم الحكومة من عدمها لعمليات التعدين.

أرخص كلفة استخراج لعملة البيتكوين هي في دولة فنزويلا، فكلفة استخراج وحدة من عملة البيتكوين تقدر بـ531 دولاراً أمريكياً فقط. وفي المقابل تعد دولة كوريا الجنوبية الأغلى استخراجاً لعملة البيتكوين بكلفة عالية والتي تقدر بـ26 ألف دولار أمريكي، وذلك لأن كلفة طاقتها الكهربائية مرتفعة.

وفي الولايات المتحدة الأمريكية، كلفة استخراج البيتكوين تقدر بـ4 آلاف دولار أمريكي، وفي الصين سابقاً كانت كلفة استخراجها تقدر 

بـ3 آلاف دولار أمريكي. وفي روسيا كلفة استخراجها تقدر بـ4 آلاف دولار أمريكي، وفي كازاخستان كلفة استخراجها تقدر بحوالي 3 آلاف دولار أمريكي، بحسب تقرير أصدرته شركة Elite Fixtures لتحليل كلفة التعدين لعملة البيتكوين بالنسبة لأسعار الطاقة الكهربائية في 115 دولة حول العالم.

هذا التقرير ظهر قبل اشتعال أزمة الغاز العالمية قبل عدة أشهر وارتفاعها بأسعار جنونية، مما أدى إلى ارتفاع كلفة الطاقة الكهربائية في أغلب الدول، أي أن كلفة التعدين في الوقت الحالي أكثر من السابق.

والسؤال: هل ستتطور أجهزة التعدين وتكون أقل استهلاكاً للطاقة الكهربائية في المستقبل؟ أم أن تطوير أجهزة التعدين لن يجدي نفعاً في تقليل كمية استهلاك الطاقة الكهربائية بسبب عملية انقسام المكافآت إلى النصف كل أربع سنوات بشكل دوري في عمليات التعدين؟

كذلك، هل- في المستقبل- ستزيد البنوك المركزية والحكومات في تضييق خناقها على أصحاب مناجم التعدين؟