كان عام 2021 يبدو وكأنّه عام صعود العملات المشفرة؛ حيث استفاقت عملة البيتكوين (BTC) تحديداً لتكسر السوق الهبوطية التي عاشتها لثلاث سنوات في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2020، وتُحقق ارتفاعاً ضخماً دفع بها إلى مقدمة الوعي العام السائد.

وقد كان العام رائعاً بالنسبة لأنصار العملات المشفرة عموماً، حسب ما يرى مقال رأي نشره موقع Bitcoin Magazine الأمريكي.

وبالنظر إلى النمو الهائل لحصة البيتكوين في العقل الجمعي، ربما يبدو عنوان المقال كسؤالٍ جدلي، لكن عملة البيتكوين قد أثبتت نفسها بالفعل بعدة طرق.

لكن عام 2021 كان مجرد إحماء يسبق المواجهة الاقتصادية الحقيقية بين القوى العظمى في عام 2022؛ إذ إنّ النظام القديم ينهار بوضوح. وطريقة انهياره هي التي ستُوجه التوترات الجيوسياسية العالمية. وستحتل تلك التوترات صدارة الأحداث بينما يتصارع عمالقة النظام المالي والسياسي القديم من أجل الهيمنة على كومة رأس المال المتضائلة.

وفي المنتصف، تقف عملة البيتكوين جاهزةً لتأدية دورها الحيوي كوسيط ومخرج هروب لتريليونات الدولارات من رؤوس الأموال الباحثة عن ملاذٍ آمن من العاصفة.

2021: عام فشل دافوس

إذا بدا لك حديثي أشبه بأفلام جيمس بوند، فأنت لست مجنوناً؛ لأن هذا هو أتعس ما في الأمر.

لكن النبأ السار هو أنّ الناس لا يزالون يستجيبون للحوافز؛ إذ إنّ الحوافز السلبية لخطط دافوس دفعت أخيراً بحشودٍ كبيرة من الناس إلى معارضتها بشدة.

حيث تُعتبر دافوس عبارة عن عصابة من سماسرة السلطة الذين لا يحب بعضهم بعضاً.

وهذا هو عقب أخيل بالنسبة لكل العصابات؛ حيث إنّ الرغبات الفردية ستطغى في النهاية على كل أهداف المجموعة، وستضعف العصابة حين تكون المخاطر الشخصية الواقعة على أعضائها أكبر من مكاسب البقاء فيها.

وقد قضيت الشطر الأعظم من عام 2021 في تحديد لحظات الشقاق الجيوسياسي؛ حيث جاءت بعض اللحظات من أماكن صادمة، مثل الاحتياطي الفيدرالي، بينما كان للحظات الشقاق أخرى بطلها المتوقع، مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ويُعتبر تبنّي وول ستريت لعملة البيتكوين واحدةً من لحظات الشقاق تلك، إذ كان له تأثيرات جوهرية على نزاعات السياسة الداخلية الأمريكية في كابيتول هيل. كما فرض التبني ضغطاً كبيراً على الساسة المتأرجحين لحجب تشريعات مهمة كانت تستهدف حرمان الولايات المتحدة من الأفضلية في سعيها للسيطرة على رأس المال العالمي.

ولا شك أن الخطوات التي رصدتها في عام 2021 كانت أوسع نطاقاً من أن أسردها بالكامل، لكن الواضح الآن هو أنّ القوى النافذة بين النخب المالية والسياسية الأمريكية تجد نفسها عالقةً في معركةٍ مميتة من أجل مستقبل الأمة.

وهي تنضم بذلك إلى روسيا والصين في معارضة خطط دافوس، الهادفة لتغيير وجهة الاقتصاد العالمي حتى يدور حول الديستوبيا الرقمية الخاصة بأعضاء دافوس، من منظور نظرية الألعاب. ولا نعني هنا أنّ الأطراف المذكورة ليست لديها خططها الديستوبية الخاصة، لكن الاعتبارات السياسية قد تُحوّل الأعداء إلى أصدقاء.

وفي عام 2022، يجب أن نستعد لأكبر تحول في النفوذ الجيوسياسي منذ عقود، أو منذ انهيار الاتحاد السوفييتي تحديداً.

لكن البطة العرجاء في صراع القوى العظمى هذا هي الاتحاد الأوروبي، الذي يحظى منتدى دافوس بأكبر قدرٍ من النفوذ والسيطرة داخله.

مُسِنّون بلا وطن

ظهرت بوادر صراعات العالم اليوم قبل عقود، على يد أشخاصٍ ظلوا في مواقع السلطة غالبية تلك الفترة. ولا شك أنّ رفضهم التخلي عن سلطتهم في نهاية حيواتهم هو ما يُحدد شكل تلك الصراعات.

وهؤلاء الرجال المسنون لا وطن لهم، ولا ينتمون إلى أي شيء بخلاف سلطتهم.

وقد ظهرت عملة البيتكوين لمواجهة هؤلاء الرجال ورداً على صدمة الأزمة المالية عام 2008، التي كانت بداية النهاية للنظام المالي الحالي.

واليوم، تجاوز العالم مرحلة “القطب الواحد” المزعوم، حين كانت الولايات المتحدة تُسيطر على كافة مقابض السلطة الرئيسية. بينما تمحورت خطط دافوس حول استغلال ذلك الأمر لصالح أعضاء المنتدى؛ حيث بدأت الخطط ببناء السلطة الأمريكية، ثم سحبها وتحويلها إلى الاتحاد الأوروبي.

وكان من المقرر كذلك زعزعة استقرار الصين وروسيا بشكلٍ مستمر لإخضاعهما. لكن تلك الاستراتيجية فشلت.

إذ يعمل العالم على أساس فكرة مهمة فحواها أنّ رأس المال يتدفق على المكان الذي يُعامله أفضل معاملة. في حين تعتمد جميع استراتيجيات دافوس على استخدام التشريعات واللوائح لإجبار رأس المال على التدفق في الاتجاه الذي يُريده الأعضاء (الاتحاد الأوروبي)، بدلاً من الاتجاه الذي يتدفق إليه رأس المال حالياً (الولايات المتحدة والصين).

لكن العالم متعدد الأقطاب وصعود التكنولوجيا اللامركزية يقاومان هذا الحافز الاستبدادي، ليمنحا رؤوس الأموال بوابةً للهروب. وقد أوضحت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد أن بوابة الهروب هذه هي ما تخشاه تحديداً. وتُعتبر كريستين هي الناطقة باسم دافوس بعد أن اختارها لهذا الموقع رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي كلاوس شواب، وذلك عقب إدارتها لصندوق النقد الدولي على مدار عقدٍ كامل.

وبمجرد أن تُغير منظورك لتفكر بهذه الطريقة، ستكتشف أنّ الرجال المسنين الذين لا وطن لهم يرتجلون الآن في محاولةٍ للاحتفاظ بسيطرتهم على تدفق رأس المال، بينما ينساب رأس المال من بين أصابعهم.

وهذا سردٌ مبسط للغاية لنقطة الارتباك هذه. والآن، حان الوقت لبعض توقعات عام 2022، ليس على صعيد البيتكوين فقط، بل في ما يتعلّق بمستقبل المجتمع الإنساني ككل.

تأثير الكوكب المُعذّب الأكثر شعبية

لنبدأ من الولايات المتحدة بنظرةٍ على الانتخابات النصفية المقبلة. حيث يتجه الحزب الديمقراطي للانقسام مع ابتعاد فصائله الداخلية عن بعضها البعض. وعجز الديمقراطيين عن تمرير أجندة دافوس لإسقاط الولايات المتحدة سيعني أنّ الاستقرار السياسي سيبدأ في العودة إلى واشنطن بدايةً من الآن.

وهذا من شأنه أن يُعيد رؤوس الأموال المجمدة إلى الولايات المتحدة، ولهذا السبب تواصل أسواق الأسهم الأمريكية ارتفاعها. مما يعني أنّ رؤوس الأموال ستتدفق إلى خارج أوروبا، لتفتح الباب في مطلع العام أمام فوضى لم نشهدها منذ تخلف أوروبا عن سداد الديون السيادية في الثلاثينيات -وهي الأزمة التي أودت بنا للحرب العالمية الثانية.

فهل ستؤدي بنا هذه الجولة من تخلف أوروبا عن سداد الديون السيادية إلى الحرب العالمية الثالثة؟ أعتقد أنها فعلت ذلك بالفعل، لكنها ليست حرباً حركية، بل هي حربٌ مالية ودبلوماسية في المقام الأول.

واليورو في طريقه نحو انهيارٍ ضخم في مواجهة السياسة النقدية المتشددة للاحتياطي الفيدرالي، التي بدأت في يونيو/حزيران حين رفع الاحتياطي الفيدرالي معدل الأرباح على عقود إعادة الشراء إلى 0.05%، ليسحب تريليونات الدولارات من السيولة العالمية.

وقد أدت السياسة الدولارية القوية من الاحتياطي الفيدرالي إلى إجبار أسواق رأس المال على إعادة التقييم، وذلك بعد إعادة تعيين جيروم باول رئيساً للجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة بواسطة الرئيس جو بايدن. ولا شك أن باول كان الخيار الواضح لوول ستريت، بينما كان أنصار دافوس يُروجون لصاحبة النظريات النقدية الحديثة لايل برينارد من أجل دفع الولايات المتحدة للتخلّف عن السداد وتجميد رؤوس الأموال في أوروبا.

لكن تلك الخطة فشلت على نحوٍ واضح.

كما تترنّح الصين بعض الشيء نتيجة سحب الاحتياطي الفيدرالي للدولارات الموجودة في الخارج؛ حيث أجبر ذلك بعض الشركات العالمية ذات المديونيات العالية على التخلف عن السداد، وأشهرها Evergrande العملاقة. وسرعان ما خففت الصين سياستها النقدية لاحتواء الأضرار الداخلية، مع إعلان أنّ المستثمرين الأجانب سيكونون آخر من يدفع له في إعادة الهيكلة.

مما يعني سحب المزيد من الدولارات من الطاولة العالمية.

وأتوقع أن يُسارع باول والاحتياطي الفيدرالي لإنهاء سياسة التيسير الكمي ورفع أسعار الفائدة قبل يونيو/حزيران، وذلك لإجبار أوروبا على التخلف عن سداد ديونها وإعادة رأس المال للولايات المتحدة. كما يجب أن تُجبر هذه الخطوة الولايات المتحدة والصين على ترك سياسة حافة الهاوية في الخطاب الدائر حول تايوان. كما أتوقّع من بايدن أنّ يرفع التعريفات التي فرضها ترامب على الواردات الصينية، لتخفيف التضخم والحفاظ على بعض مقاعد الكونغرس للديمقراطيين.

تدفق رأس المال هو بيت القصيد

لكن الشيء الأهم هنا هو ذلك الذي ذكرته في مستهل حديثي: عملة البيتكوين؛ حيث ستفرض عملة البيتكوين نفسها -مع الذهب- باعتبارها من الأصول الأولى لحفظ القيمة وسط عالمٍ من الفوضى. وسيتحوّل “الدين” إلى أقذر كلمة في اللغة الإنجليزية خلال هذه الفترة من التاريخ.

وستكون أسعار تداول الذهب والعملات المشفرة متقلبةً ومتموّجة، بينما تتغيّر احتياجات تمويل الدولار الأمريكي من يومٍ لآخر وتخلق حركات أسعار كاذبة صعوداً وهبوطاً. وسيدافع الاحتياطي الفيدرالي عن الدولار. لكن سعر البيتكوين سيبلغ ذروته قبل أن يهبط في وقتٍ لاحق من العام، بالتزامن مع بلوغ الأزمة في أوروبا ذروتها، وإثبات دورة البيتكوين -التي تمتد لأربع سنوات- لتأثيرها. وسيكون الأمر بمثابة صراع العمالقة.

لكن الاتجاه المبكر سيكون مشابهاً لعام 2021، أي في اتجاه الصعود. وفي ذروة الأزمة التي ستظهر، ستكون عملة البيتكوين من الأصول الأولى المختارة التي سيهرب إليها المستثمرون.

حيث زُرِعَت أساسات ذلك في عام 2021، ليتم حصادها في عام 2022. أما بالنسبة لرؤوس الأموال التي لا يُمكن تحويلها لبيتكوين، والبنوك المركزية المضطرة لتنويع احتياطياتها؛ فسيظل الذهب هو الأصل المختار بالنسبة لهم. وسيحاول الذهب تعويض الفارق في السباق بينها وبين البيتكوين خلال عام 2022.

وهذا يرجع بالطبع لأن رأس المال يتدفق على المكان الذي يُعامله أفضل معاملة. ورغم تقلبات أسعارها، لكن عملة البيتكوين تظل من الأماكن القليلة على وجه الأرض التي تتمتع بإمكانية منح رأس المال أفضل معاملة.

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.