يسير الزمن والمال في اتجاهين معاكسين. لماذا؟ لأنّه وبعكس الزمن، يُمكن التلاعب بالمال عن طريق قلةٍ من ذوي الامتيازات، مما يضر بقية المجتمع -خاصةً من غير حاملي الأصول- بشكلٍ غير متناسب خلال فترات التضخم، حسب هذا المقال في موقع Bitcoin Magazine الأمريكي.

أما الزمن، فهو أثمن الموارد، لأنه لا يمكن لأحد صُنع المزيد منه، كما أنّه يتعامل مع الجميع بنفس الطريقة ولا يُمكن لأحدٍ أن يخدعه. وقد نجحت عملة البيتكوين (BTC) في إدخال تلك المزايا إلى عالم الأموال عن طريق خلق إحساسها الخاص بالزمن.

ويختلف الزمن حسب الفضاء المحيط، مما يعني أنّك قد تحصل على زمنين مختلفين من ساعتين مختلفتين نتيجة تمدد الزمن -مثل فيلم Interstellar  حين كانت ساعة الكوكب الخيالي تُساوي سبعة أعوامٍ على الأرض. ولتمكين الاتساق والتنسيق، تخلق شبكة البيتكوين إحساسها الخاص بالزمن مستخدمةً البلوكات (الكتل) بدلاً من الثواني. والختم الزمني Timestamping في واقع البيتكوين هو إجراء تسجيل المعاملات على البلوك بشكلٍ دائم.

وتُحاكي البيتكوين في عملياتها ما يفعله الزمن؛ إذ يُحوّل الزمن المستقبل المجهول إلى ماضٍ معروف عن طريق الإحساس بـ”اللحظة الحالية (الآن)”. بينما تُحوّل شبكة البيتكوين المعاملة المستقبلية المجهولة إلى ماضٍ مُسجّل على سلسلة الوقت Timechain عن طريق إجراء الختم الزمني في الحاضر. وبمجرد تأكيد المعاملة وختمها زمنياً باستخدام إثبات العمل (PoW)، يتم بث بلوك المعاملات إلى العقد Nodes في كل مكان لإضافتها إلى سجل تاريخ لا يمكن التنازع عليه، ولتظل محفورةً في واقع البيتكوين للأبد. وبهذا تخلق عملة البيتكوين وتُعزّز واقعها القائم بذاته.

ويتحرك اتجاه الزمن إلى الأمام فقط، ولا يرجع للوراء أبداً. مما يعني أنّه لا يمكننا إعادة كتابة التاريخ أو تغيير الماضي. ويُعتبر هذا الثبات، أو عدم القابلية للتغير، من أهم خصائص البيتكوين والزمن. فعلى مدار عمر البيتكوين، لم يتمكن شخصٌ من تغيير تاريخ سلسلة الوقت، بعكس فريق شبكة الإيثريوم Ethereum الذي عكس معاملةً بـ60 مليون دولار في عام 2016، أو بنوك العملات النقدية التي تتلاعب بدفاترها.

إذ يمنح الختم الزمني للأشياء الرقمية مكانةً دائمة في التاريخ. وفي سياق المعاملات الرقمية، سنجد أنّ أول نسخة مؤكدة هي النسخة الأصلية، وبالتالي لن تتمكن من إنفاق نفس المبلغ مرتين. وإذا كان بإمكاننا تغيير التاريخ الرقمي، فسوف يحدث إنفاقٌ مزدوج لنفس التوكن، مما يُقوّض عملية التحقق بتشويه تسلسل الأحداث. وهذا التشويه يُقوّض الندرة الرقمية وقيمة الأصول الرقمية؛ لأنّ قدرتنا على تغيير الماضي تُفقد الأصول الرقمية قدسيتها وتعود بنا إلى نقطة الصفر. ولهذا يُعتبر الثبات مهماً.

والآن، سنأخذ مفهوم الأصالة والقيمة الرقمية لنطبقه على بروتوكول البيتكوين نفسه. وحينها سنجد أنّ النسخة الأصلية من البيتكوين هي النسخة التي ما يزال معمولاً بها إلى يومنا هذا.

وقد يرى البعض في قلة التغيير هنا نقطة ضعف، ولكن على العكس، فإنّ الثبات يُعتبر هو الابتكار وسط عالمٍ لا مفر من التغيير فيه؛ إذ إنّه السهل إنشاء شكلٍ أحدث وأكثر لمعاناً من المال بحوكمةٍ دائمة التغيير في أيدي الحكام الجدد -وقد حدث ذلك كثيراً على مرّ التاريخ. بينما من شبه المستحيل أن تصنع أموالاً بنفس ثبات وعدالة أكثر الموارد قيمةً على وجه الأرض: الزمن. لكن عملة البيتكوين حققت هذا المستحيل.

حيث إنّ إجراء التحقق من المعاملات وكتابة التاريخ على سلسلة الوقت يتطلب عملاً في صورة طاقة. والطاقة هي التكلفة التي تردع الأطراف السيئة عن محاولة التلاعب بالنظام، لأن كمية الطاقة المطلوبة لإنفاق نفس التوكن مرتين ستتجاوز المكسب المنتظر. ويُواجه الجميع نفس هذه العقبة بشكلٍ متساو. والجميع لديهم فرصةٌ عادلة لربح نفس المكافأة بحماية الشبكة. ويجب على الجميع العمل من أجل كسب حصتهم. كما يلعب الجميع هنا بنفس القواعد.

وحين تأتي الأموال في صورةٍ نقدية، تتحوّل إلى مكعب ثلج يجب إنفاقه أو استثماره حتى لا تُخاطر بخسارة جزءٍ من قوته الشرائية بمرور الزمن. ولكن حين تتشابه الأموال مع الزمن، تتحول تلك الأموال إلى مخزنٍ للقيمة مع تكلفة فرصة حقيقية في كل إجراء. وبالتالي فإنّ كل شخص يمتلك أموالاً في صورة بيتكوين هو شخصٌ يمتلك واحداً من أكثر الأصول قيمةً في العالم.

ويسهل على الأفراد فهم هذه المفاضلة حين نتحدث عن المال، بسبب وجود قاسم الزمن المشترك لقياس مختلف الأشياء -من شطائر الهامبرغر والمنازل وصولاً إلى الطاقة والأجور. أي أنّ هناك ما يدفعنا إلى التفكير في استهلاكنا واختيار السلع والخدمات الأعلى جودة حتى تتمكن من اجتياز اختبار الزمن، لأن الزمن هو ما نُضحي به من أجل الحصول على شيءٍ آخر. وها نحن نبتعد الآن عن عقلية “النمو بأي ثمن”، ونقترب من عقليةٍ تدرس تكلفة الفرصة. وبصُنع المال من الزمن؛ غيّرت عملة البيتكوين الدوافع البشرية ومستقبل الإنسانية.

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.